مواقيت الصلاة
الفجر : 04:15
الشروق : 05:28
الظهر : 11:43
العصر : 15:15
المغرب : 18:14
العشاء : 19:06
منتصف الليل : 23:01
الإمساك : 04:06
X
X
الاعلان

سرّ الأذان والإقامة الإجمالي وآدابهما

سرّ الأذان والإقامة الإجمالي وآدابهما

سرّ الأذان والإقامة الإجمالي وآدابهما

تمهيد
الأذان إعلان والإقامة استعداد وتهيّؤ، إعلان عن قرب الحضور وتجهيز للقاء.

لا يقدر عباد الله مهما بلغوا من العرفان أن يتحمّلوا سطوع التجليات الإلهيّة الإطلاقيّة على قلوبهم، ولهذا لا بدّ من التحضير والتهيؤ.

وإذا لم نكن من العارفين بمقام الربّ المتعال، وليس لنا خبر أو شعور بعظمة تجليّاته، ولا نقدر أن نتصوّر معنى أسمائه، فماذا نفعل؟ وأيّ شيء نقصد في الأذان والإقامة؟

لا شك بأنّ لكلّ واحد منّا تصوّره حول عظمة موجود ما، سواء من ناحية الهيبة والسلطنة، أو من ناحية الجمال واللطف.

فالذين خبروا هيبة السلاطين يمكنهم أن يدخلوا إلى مشاعرهم وإدراكاتهم عظمة الحقّ تعالى كأعظم سلطان في الوجود، فكيف يتصرّف من كان في محضر سلطان كهذا؟!

والذين شاهدوا في حياتهم عظمة جمال الجميل وإنعامه وتفضّله، يمكنهم أن يضاعفوا من هذه المشاعر ليعيشوا شيئًا ما معنى اللطف المطلق.

ومن هذا التكلّف تتصاعد المشاعر ويقوى معها الحضور ويزداد الاندفاع نحو التهيئة. فنقبل على الصّلاة بقلب حاضر مستعدّ لنيل فيض الربّ وإشراقات نوره الأزلي.

ما هو سرّ الأذان وأدبه؟
يبدأ السلوك المعنوي من المعرفة. ولا شكّ بأنّ مجموع الأحكام الإلهيّة يمثّل برنامج هذا السلوك المعنوي، ومنها الأذان والإقامة. ولكي نجعل أذاننا وإقامتنا وسيلة عروجنا في هذا السفر، ينبغي أن نتوجّه إلى المعاني الكامنة في أسرارهما.

من هنا، لا نجد من يتحدّث عن هذه المعاني أو الآداب المعنوية من العلماء مثل الإمام الخميني قدس سره، حيث يقول: "اعلم أن السّالك إلى الله لا بدّ له في الأذان أن يعلن للقلب الذي هو سلطان القوى الملكوتية والملكية ولسائر الجنود المنتشرة في الجهات المشتّتة للملك والملكوت، إعلان الحضور في المحضر. وحيث إنّه قد اقترب وقت الحضور والملاقاة، فيهيّئ تلك القوى،

فإنّ كان من أهل الشوق والعشق، لا يفقد التحمّل والثبات من التجلّي المفاجئ.

وإن كان من المحجوبين فلا يدخل المحضر المقدّس بدون تهيئة الأسباب والآداب.

فالسرّ الاجمالي للأذان هو إعلام القوى الملكوتية والملكية والجيوش الإلهيّة للحضور.

وأدبه الإجماليّ هو التنبيه إلى عظمة المقام وخطره وعظمة المحضر والحاضر، وذلّ الممكن وفقره وفاقته ونقصه وعجزه عن القيام بالأمر وقابلية الحضور في المحضر، إن لم يؤيّده لطف الحقّ جلّ وعلا ورحمته ويجبر نقصه"1.

ما هو سرّ الإقامة وأدبها؟
لمّا ذكر الإمام قدس سره ما هو المقصود من الأذان، وبيّن السر الأجمالي وما ينشأ عنه من أدب، شرع بالحديث عن الإقامة فقال: "والإقامة هي إقامة القوى الملكوتيّة والملكيّة في المحضر، وإحضارها في الحضور.

وأدبها هو الخوف والخشية والحياء والخجل والرجاء الواثق بالرحمة غير المتناهية"2.

وباختصار، فإنّ على السالك كما يقول الإمام الخميني قدس سره: "أن يفهّم قلبه في جميع فصول الأذان والإقامة عظمة المحضر والحضور والحاضر، ويجعل ذلّ نفسه وعجزها وقصورها نصب عينيه حتى يحصل الخوف والخشية، ومن الجانب الآخر لا بدّ أن يريه الرحمة الواسعة والألطاف الكريمة حتى يحصل له الرجاء والشوق"3.

أنواع القلوب في الحضور
وحيث إنّ التوجّه إلى العظمة وملاحظة تجلّياتها تابع لقوة القلب ونوعه، يتعرّض الإمام الخميني لنوعين من القلوب، وهما: القلوب العشقية التي يجذبها اللطف والجمال، والقلوب الخوفية التي يجذبها القهر والجلال. يقول الإمام الخميني قدس سره: "فالقلوب العشقية يغلبها الشوق والجذبة، وهي تخطو بقدم الحبّ والعشق في محضر الأنس. فهذه القلوب تشتغل بهذه الجذبة الغيبيّة وبعشق المحضر والحاضر، إلى آخر الصّلاة بالمعاشقة ومعانقة ذكر الحقّ وفكره.

وفي الحديث عن علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: "أفضل الناس من عشق العبادة وعانقها وأحبّها بقلبه وباشرها بجسده وتفرّغ لها، فهو لا يبالي على ما أصبح من الدّنيا على يسرٍ أم على عسر"4.

والقلوب الخوفية يتجلّى لها سلطان العظمة وتغلب عليها جذبة القهّارية، وتجعلها في حالة الصعق ويذوّبها الخوف والخشية، ويمنعها عن كلّ شيء القصور الذاتي واستشعار ذلّة نفسها وعجزها.

وفي الحديث، عن موسى بن جعفر عليهما السلام، قال: "قال أمير المؤمنين عليه السلام: "إنّ لله عبادًا كسرت قلوبهم خشيته، فأسكنتهم عن النطق"5،6.

العلاقة بين أنواع التجلّيات الإلهيّة وأنواع القلوب
تتحدّد التجلّيات الإلهيّة من ناحية التقيّد والإطلاق أو الجلال والجمال بحسب سعة القلوب وطبيعة توجّهها. فنور الحقّ المتعال مطلق، ولا يتقيّد بذاته بجمال أو جلال، وإنّما نشاهد منه بحسب المرائي الكونية. كما أنّ قلوب العباد هي مرائي تجلّيات الحقّ، وبها يعرفونه. وحيث إنّ بعض القلوب خوفي، فإنّ أصحابها يغلب عليهم إدراك الجلال، وإذا كان بعضها جماليًا، فإنّ أصحابها يغلب عليهم إدراك الجمال.

ليس للحقّ تعالى سوى التجلّي الأعظم الأكرم. وهو أكرم تجلّياته عنده، لكنّ القلوب هي التي تقيّده بصفة دون أخرى. فإذا كان الميل الطبعيّ لقلبٍ ما نحو آيات الجلال والقهر، فإنّه سيرى الاسم الأعظم قهّارًا جليلًا. وإذا كان الميل الطبعيّ نحو آيات الجمال، فلن يرى صاحبه سوى مظاهر الجمال في هذا التجلّي الأعظم.

أجل، هناك نوع آخر من القلوب، وهو القلب الجامع للجلال والجمال، والقلب الواسع الذي وسع السموات والأرض، ولهذا فإنّه يسع كلّ المظاهر، وهو القلب الأحديّ الجمعيّ.

يقول الإمام الخميني قدس سره: "والحقّ تعالى يتجلّى لأوليائه الكمّل تارة بالتجلّي اللطفي ويكون العشق والجذبة الحبية هادية لهم، كما في الحديث بأنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان ينتظر الصّلاة ويشتدّ عشقه وشوقه، فيقول لبلال المؤذّن: "أرحنا يا بلال"7... وأخرى بتجلّي العظمة والسلطنة فيحصل لهم الخوف والخشية، كما نُقلت الحالات الخوفية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعن أئمّة الهدى عليهم السلام. وثالثة بالتجلّي الأحديّ الجمعيّ على حسب طاقة قلوبهم وسعة أوعيتها"8.

المحجوبون ووظائفهم القلبيّة
إذا كان حال أصحاب القلوب ما ذُكر، فما هو حال من لا حياة قلبية له؟ يجيب الإمام الخميني قدس سره قائلًا: "ونحن، المحجوبون، المشتغلون بالدّنيا والمحبوسون في سجن الطّبيعة والمغلولون بأغلال الشهوات والآمال، والمحرومون من السعادات العقلية الإلهيّة الذين لا نصحو من سكر الطّبيعة إلى صبح الأزل، ولا ننهض من نومنا الثقيل أبدًا ، خارجون عن نطاق هذه التقسيمات، ومستثنَون من هذا البيان، فآداب الحضور لنا هي من طور آخر، والقيام بالوظائف القلبيّة على شكل آخر"9.

1- عدم اليأس:
ولكن أوّل شيء منها هو كما يقول الإمام قدس سره: "أن نُخرج من قلوبنا اليأس من روح الله والقنوط من رحمة الله اللذين هما من الجنود الكبرى لإبليس، ومن إلقاءات شياطين الإنس والجنّ، ولا نتوّهم أنّ لباس هذه المقامات قد خيط على قامة أشخاص خاصّين، وأنّ أيدي آمالنا عنها قاصرة وأرجل سير البشر عن ركوبها مترجّلة فلا نخطو أصلًا ونبقى بالبرودة والوهن مخلّدين في أرض الطّبيعة. لا، فليس الأمر على ما نتوهّم.

نعم، أنا أيضًا أقول: إنّ المقام الخاص لكمّل أهل الله لا يتيسّر لأحد، ولكنّ للمقامات المعنويّة والمعارف الإلهيّة مدارج غير متناهية، ولها مراتب كثيرة، يتيسّر للنوع أكثر تلك المقامات والمعارف والحالات والمدارج، فيما إذا تركوا البرودة والتهاون الذي في أنفسهم، وأبعدوا يد العناد والتعصّب لأهل الجهل والعناد عن قلوب عباد الله، ولم يكن لهم شيطان على طريق سلوكهم"10.

2- استشعار العظمة:
والأدب الثاني للمحجوبين هو أن يتصنّعوا أحوال أصحاب القلوب، لأنّ تكلّف الأدب يؤدّي إلى آثار الأدب نفسه، ولهذا يقول الإمام قدس سره: "فأدب الحضور بالنسبة لنا هو أنّه لا بدّ لنا في بدء الأمر، لأنّنا لم نتجاوز مرتبة الحسّ والظّاهر، وليس في أعيننا سوى العظمة والجلال الدنيويين، وليس لدينا أي خبر عن العظمة الإلهيّة الغيبية، أن نرى محضر الحق تعالى كمحضر سلطان عظيم الشأن قد أدرك القلب عظمته، وأن نفهم قلوبنا أنّ كلّ عظمة وجلال وكبرياء هي تجلٍ من عظمة عالم الملكوت قد تنزّلت إلى هذا العالم، وإنّ عالم الملكوت في جنب العوالم الغيبية ليس له قدر محسوس. فنفهّم القلب أنّ العالم هو المحضر المقدّس لحضرة الحقّ، وأنّ الحقّ تعالى حاضر في جميع الأمكنة والأحياز، وبالخصوص الصّلاة التي هي إذن خاص للحضور وميعاد مخصوص للملاقاة والمراودة مع الحضرة الأحدية.

فإذا جعلنا القلب مستشعرًا العظمة والحضور، وإن كان ذلك في بدء الأمر مع التكلّف، فإنّ القلب يستأنس بالتدريج ويصبح هذا المجاز حقيقة. فإذا قمنا بالآداب الصورية للتعامل مع مالك الملوك، وأدّينا الآداب الحضورية الظّاهرية، يحصل أثر في القلب أيضًا، ويستشعر العظمة، ويصل الإنسان تدريجيًّا إلى النتائج المطلوبة.

وكذلك بالنسبة إلى إثارة الحبّ والعشق، فإنّها أيضًا تحصل بالتعمّل والرياضة.

ففي أوّل الأمر، لا بدّ أن يعرض على القلب الرحمات الصورية والألطاف الحسّيّة للحقّ، ويوصل إليه مقام الرحمانية والرحيمية والمنعّمية كي يستأنس القلب بالتدريج، ويحصل الأثر في الباطن من الظّاهر وتتنوّر مملكة الباطن من آثار الجمال وتحصل النتائج المطلوبة"11.

3- التوكّل على الله:
ولا شكّ بأنّ طيّ هذا السفر المعنوي غير ممكن لمن لا حياة له إلا أن يحييه الله تعالى بلطفه. وهذا هو مبدأ التوكّل على الله والثقة بأنّه عزّ وجلّ قادر على التفضّل على عباده بإيصالهم إلى فيضه، يقول الإمام قدس سره: "الإنسان إذا قام بالأمر وجاهد في سبيل الله، فالحقّ تعالى يؤيّده وينجيه باليد الغيبية من ظلمات عالم الطّبيعة، وينوّر أرض قلبه المظلمة بإشراق نور جماله، ويبدله بها السماوات الروحية: ﴿وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ12،13.

* الآداب المعنوية للصلاة في ضوء فكر الإمام الخميني(قده)


1- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 135 - 136.
2- م.ن، ص 136.
3- م.ن.
4- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج1، ص 120.
5- م.ن، ج9، ص 33.
6- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص136.
7- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج79، ص 193.
8- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 137.
9- م.ن.
10- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 137.
11- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص137 - 138.
12- سورة الشورى، الآية 23.
13- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 138.

| 5295 قراءة

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد