لا ريب أن الصلاة أكمل وسيلة للبناء والسير والسلوك إلى الله تعالى، وهي المغزى الأساس لبلوغ الهدف الأعلى للإنسانية والمجتمع الإنساني المثالي. فالسالكون الواعون والمسلمون المتبصرون
الصادقون يعلمون بأنّ الصلاة هي أفضل التعليمات التوجيهية في السلوك وتزكية النفس، ومن أهمّ الطرق إلى مواجهة الغزو الثقافي لأعداء الإسلام، وأحسن الجهاد ثمراً لتحقيق القيم الإنسانية وتطبيق المعرفة الإسلامية الأصيلة في المجتمعات البشرية.
لذا نقرأ في الوصية الأخلاقية الثمينة التي عهد بها الإمام الخميني الراحل (رضوان الله تعالى عليه) إلى ولده السيد أحمد (رحمه الله): أن الأنانية هي أمّ المصائب البشريّة، وأنّ السعي الذي يبذل لعلاج جذر الفساد هذا هو الجهاد الأكبر، وأنّ الفوز في هذا الجهاد يفضي إلى إصلاح كل شيء في الحياة.
وبعد أن يبيّن الإمام (رضوان الله تعالى عليه) هذه المفاهيم، يرى بأن الصلاة هي السبيل إلى تحقيق ذلك الفوز.
يقول (رضوان الله تعلى عليه): " أي بني ! دع عنك الأنانية والعجب والزهو ، فإنها من مواريث الشيطان الذي عصى ربه جل وعلا حين أبى الخضوع لوليه وصفيه ، منطلقا من زهوه وكبره ، واعلم أن كافة المصائب البشرية من إرث الشيطان الذي هو أصل الفتنة ، ولعل الآية الشريفة: ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كلّه لله) في بعض مراحلها إشارة إلى الجهاد الأكبر ومكافحة أصل الفتنة - المتمثلة بالشياطين الكبار وجنودهم - الضاربة جذورها في أعماق قلوب الناس، وعلى كلّ إنسان أن يجاهد لقمع الفتنة في باطنه وظاهره، وهذا هو الجهاد الذي لو أفلح فيه فإنّ كلّ شيء سيصلح في الحياة.
أي بني ! إسع لكسب هذا الفوز، أو حاول أن تقطف بعض ثماره، وحد من الأهواء التي لا حصر لها، واستعن بالله جل وعلا إذ لا يفلح أحد بدون مدده، واعلم أن الصلاة هي السبيل إلى بلوغ هذا الهدف لأنها معراج العارفين وسفر العاشقين، وإذا وفقت ووفقنا إلى أداء ركعة منها، وإلى مشاهدة الأنوار المكنونة والأسرار المودعة فيها - ما أمكننا ذلك - فقد شممنا نفحة من مراد أولياء الله ومقصودهم، وتمثلنا مشهدا لصلاة سيد الأنبياء والعرفاء التي هي معراج له عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام. ومنّ الله علينا وعليكم بهذه النعمة العظيمة ".