يقول تعالى في سورة الإسراء الآية 79: (ومن الليل فتهجّد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً)
إن التأثيرات المختلفة لضوضاء الحياة اليومية تؤثّر على الإنسان وعلى أفكاره وتجره إلى وديان مختلفة بحيث يصعب معها تهدئة الخاطر، وصفاء الذهن، والحضور الكامل للقلب في مثل هذا الوضع. أما في منتصف الليل وعند السحر عندما تهدأ هذه الضوضاء الحياتية المادية، ويرتاح جسم الإنسان، وتهدأ روحه بعد فترة من النوم، فإن حالة من التوجه والنشاط الخاص تخالج الإنسان، في مثل هذا المحيط الهادئ والبعيد عن كل أنواع الرياء، مع حضور القلب، يعيش الإنسان حالة خاصة قادرة على تربيته وتكامل روحه.
لهذا السبب نرى أن عباد الله ومحبّيه يتوقون إلى التعبّد منتصف الليل، لأنه يزكي أرواحهم، ويحيي قلوبهم، ويقوي إرادتهم، ويكمل إخلاصهم.
وفي بداية عصر الإسلام كان الرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يستفيد من هذا البرنامج الروحي في تربية المسلمين، وكانت يبني شخصياتهم بحيث كانوا يتغيّرون تماماً عما كانوا عليه في السابق، يعني أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يجعل منهم شخصيات جديدة ذات إرادة قوية وشجاعة، ومؤمنين ذوي إخلاص ونقاء.
وقد يكون المقام المحمود) الذي ورد ذكره في الأية أعلاه نتيجة لصلاة الليل، إشارة لهذه الحقيقة. وعندما نبحث الروايات الواردة في المصادر الإسلامية عن فضيلة صلاة الليل، نرى أنها توضح هذه الحقيقة. وعلى سبيل المثال يمكن أن نقف مع هذه النماذج :
1 - عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): "خيركم من أطاب الكلام وأطعم الطعام وصلى بالليل والناس نيام". [بحار الأنوار، ج 87، ص 142 - 148].
2 - وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): "من صلى بالليل حسن وجهه بأنهار"[المصدر السابق].
3 - وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): "قيام الليل مصحّة للبدن، ومرضاة للرب عزّ وجلّ، وتعرّض للرحمة، وتمسّك بأخلاق النبيّين"[ المصدر السابق].
4 - وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه أوصى أحد أصحابه بقوله: "لا تدع قيام الليل فإنّ المغبون من حُرم قيام الليل" [المصدر السابق].
ونقرأ في بعض الروايات أن هذه العبادة (صلاة الليل) على قدر من الأهمية بحيث أنّ غير الطاهرين والمحسنين قد لا يُوَفَّقون إليها.
5 - جاء رجل إلى أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وقال له: إنّي محروم من صلاة الليل، فأجابه (عليه السلام): "أنت رجل قد قيّدتك ذنوبك". [المصدر السابق].
6 - في حديث آخر عن الإمام الصادق (عليه السلام): "إنّ الرجل ليكذب الكذبة ويحرم بها صلاة الليل، فإذا حرم بها صلاة الليل حرم بها الرزق". [المصدر السابق].
7 - وبالرغم من أننا نعلم أن شخصاً مثل الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) لا يترك صلاة الليل أبداً، ونظراً لأهمية هذه الصلاة نرى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أوصاه بها في جملة من وصاياه له، إذ قال له (صلى الله عليه وآله وسلم): "أوصيك في نفسك بخصال فاحفظها، ثم قال: أللَّهُمَّ أعِنْهُ ... وعليك بصلاة الليل، وعليك بصلاة الليل، وعليك بصلاة الليل". [وسائل الشيعة، ج 5، ص 268].
8 - وعن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال لجبرئيل (عليه السلام): عظني، فقال جبرائيل لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب ما شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه، واعلم أن شرف المؤمن صلاته بالليل، وعزّه كفّه عن أعراض الناس". [وسائل الشيعة، ج 5، ص 269 ].
إن هذه الوصايا الملكوتية لجبرائيل تدلّ على أن صلاة الليل تضفي على الإنسان من الإيمان والروحانية وقوة الشخصية ما يكون سبباً في شرفه كما أن كفه الأذى عن الآخرين يكون سبباً في عزّته.
9 - عن الإمام الصادق (عليه السلام): " ثلاثة هنّ فخر المؤمن وزينة في الدنيا والآخرة، الصلاة في آخر الليل ويأسه مما في أيدي الناس وولاية الإمام من آل محمد".
10 - وعن الإمام الصادق (عليه السلام): "ما من عمل حسن يعمله العبد إلاّ وله ثواب في القرآن إلاّ صلاة الليل، فإنّ الله لم يبيّن ثوابها لعظيم خطرها عنده فقال: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربّهم خوفاً وطمعاً وممّا رزقناهم ينفقون * فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرّة أعين جزاء بما كانوا يعملون) [السجدة: 16-17].
ولصلاة الليل - بالطبع - آداب كثيرة، ولكن لا يتسع المقام لذكرها، تُراجع في محلها.
وإن صلاة الليل تتكون بأبسط صورها من ( 11) ركعة، وهي مقسمة إلى ثلاثة أقسام هي:
أ - أربع صلوات، ذات ركعتين، يكون مجموعها ثماني ركعات وتسمى (نافلة الليل).
ب - صلاة واحدة ذات ركعتين، وتسمى ب (الشفع).
ج - صلاة واحدة ذات ركعة واحدة، وتسمى ب (الوتر).
أما طريقة أداء هذه الصلاة فهي لا تختلف عن صلاة الصبح، إلاّ أنّها لا تحتوي على الأذان والإقامة، والأفضل إطالة قنوت ركعة الوتر.