مواقيت الصلاة
الفجر : 04:56
الشروق : 06:14
الظهر : 11:21
العصر : 14:09
المغرب : 16:48
العشاء : 17:41
منتصف الليل : 22:38
الإمساك : 04:48
X
X
الاعلان

الآداب الباطنية لإزالة النجاسة

الآداب الباطنية لإزالة النجاسة

 الآداب الباطنية لإزالة النجاسة

تمهيد
ولمّا كانت الطّهارة موقوفة على إزالة النّجاسة لأجل تحقّق الاستعداد للوفادة على الله تعالى، فإنّ من أدرك معاني القرب ودرجاته، أدرك أنّ لكلّ درجة أو مرتبة نوعًا من الخبائث والنّجاسات التي لا يمكن تحصيلها إلّا بالطّهارة منها. وكما إنّ تحقّق الصّلاة الظّاهرية موقوف على تحقّق الطّهارة الظّاهرية، فلا يمكن للعبد أن يعرج بالصّلاة، التي هي معراج كلّ مؤمن، إلّا بالطّهارة الباطنيّة، لأنّه بقلبه وباطنه يعرج. وحيث إنّ للعروج درجات، فإنّ العروج في أيّ مرتبة أو درجة يتطلّب تحقيق الطّهارة اللائقة بها. وهذا ما يؤكّد على ضرورة أن نتعرّف إلى هذه الدّرجات، وما يمنع منها ممّا يسمّى بالقذارة والحدث.

ما هي حقيقة الحدث؟
ولمّا كان لكلّ ما يقوم به الإنسان وما يجري عليه من وجوده في أرض الطّبيعة من الأحداث، فإن كانت مانعة من التوجّه إلى الله فهي الأحداث التي ينبغي أن يتخلّص منها أو يطهر، وإلّا بقي في عالم الدّنيا ولم يتحقّق له السّفر منها كما أمر وأعدّ، لهذا يقول الإمام الخميني قدس سره: "فاعلم أنّ إزالة الحدث كما مرّ، هي في الخروج من الإنّيّة والأنانيّة والفناء عن النّفسيّة، بل هي الخروج من بيت النّفس بشكل كامل، وما دام في العبد بقايا من نفسه فهو محدث بالحدث الأكبر والعابد والمعبود فيه هو الشّيطان والنّفس"1.

فلماذا كانت الدّنيا هي المانع؟ ولماذا كان على الإنسان أن يخرج حبّها من قلبه؟

إنّ ذلك كلّه يرجع إلى أنّ هذا الحبّ يعزّز في الإنسان حالة الإنيّة والأنانية، وهما موانع شهود التّوحيد وإدراكه، أي إنّهما مانعا الوصول إلى الحقيقة، ولهذا ينبغي أن نفهم ما يقف وراء الدّنيا. وعندها نعرف أنّ كلّ ما يعزّز فينا تلك الإنية فهو مانع، حتى لو كان بصورة المقامات المعنويّة، ولهذا يقول الإمام الخميني قدس سره: "وإنّ منازل سير أهل الطّريقة والسّلوك، إذا كانت لأجل الوصول إلى المقامات وحصول المعارج والمدارج، فليست خارجة عن تصرّف النّفس والشّيطان، فيكون السّير والسلوك عليلًا. ويدور هذا السّلوك في منازل النّفس، ويكون السّير في جوف البيت. ومثل هذا السّالك ليس بمسافر ولا سالك وليس مهاجرًا إلى الله ورسوله، وما طهُر من الحدث الأكبر الذي هو عين العبد"2.

علامة الطّهارة من الحدث، شهود التوحيد
وبالتالي، فإنّ حصول الطّهارة يجعل القلب مستعدًّا لشهود الحقيقة كما هي. وحيث إنّ الحقيقة المطلقة التي تشمل كلّ الحقائق هي حقيقة الألوهيّة التي تظهر في بعض مراتبها بمعنى "لا مؤثّر في الوجود إلا الله"، يقول الإمام الخميني قدس سره: "فاذا تطهّر من هذا الحدث تمامًا، وتحصل نتيجة قرب النوافل، أي: كنت سمعه وبصره، فمن هذه الجهة يلزم غسل البدن كلّه عند الطّهارة من الحدث الأكبر، لأنّه ما دامت عين العبد باقية بوجه من الوجوه، لم يرتفع الحدث. فإنّ تحت كل شعرة جنابة..

فالتّطهير من الحدث هو التّطهير من الحدوث والفناء في بحر القدم. وكماله الخروج من الكثرة الأسمائية التي هي باطن الشجرة. ويخرج بهذا الخروج من خطيئة آدم السارية، وقد كان أصل الذرية.

فالحدث من القذارات المعنويّة، وتطهيره أيضًا من الأمور الغيبية الباطنية، وهو نور، لكن الوضوء نورٌ محدود والغسل نورٌ مطلق. وأيّ وضوء أنقى من الغسل؟ وليست القيمة في إزالة الخبث والنجاسات الظّاهرية، لأنّها تنظيف صوريّ وتطهير ظاهريّ"3.

والحدوث هو جهة الخلق والقدم هو جهة الربّ، فمن انتقل من الخلق وسافر إلى الخالق، انتقل من الحدوث وفني في البحر اللامتناهي لصفات الربّ المتعال. وما دام في الإنسان بقيّة من نفسه ونظر إلى إنيّته، فهو محجوب عنه، ولهذا يكون شهود الكثرة الأسمائية من وجود بعض الحجب أو بقائها، وهي المعبّر عنها بالحجب النّورية.

آداب الحدث
فإذا توجّه القلب إلى تلك المعاني وانعكست فيه أنوار التوحيد، جرت عليه مياه التّطهير من الشرك الذي هو أصل كلّ رجس وهو عنوان الإبليسيّة الأكبر. وهنا يأتي الأدب المعنويّ لهذه الطّهارة، حيث يقول الإمام الخميني قدس سره: "وآدابها القلبيّة هي:

1- التبرّؤ من إبليس ورجزه، أن يعلم السّالك الذي يريد الحضور في محضر الحقّ أنّه لا يمكن التطرّق إلى محضر الحقّ مع رجز الشّيطان ورجس هذا الخبيث"4.

2- التقوى الملكيّة، "وما لم تحصل التقوى الملكية الدنيوية التامّة على وفق دستور الشّريعة المطهّرة، لا تحصل التقوى القلبيّة"5.

3- التقوى الملكوتية، "وما لم تحصل التقوى القلبيّة من الأمور التي ذكرناها لن تحصل التّقوى الروحيّة السرّيّة الحقيقيّة. وجميع مراتب التّقوى مقدّمة لهذه المرتبة وهو ترك غير الحقّ. وما دام في السّالك بقية من الأنانية، فلن يتجلّى الحقّ على سرّه"6.

والسرّ من آخر مراتب النّفس، وفيه تدرك الأسرار الوجودية التي لا يراها المحتجبون بحجب الطّبيعة والمثال. فتحصل ممّا ذكر أنّ طريق التّقوى وفق الشّريعة المقدّسة هو أساس الخروج من تأثير إبليس الذي هو أصل كلّ خبث ورجز. ولا يمكن أن ينال الإنسان أيّ توفيق معنويّ دون تحقيق التّقوى الظّاهريّة، وهذا قاعدة أوليّة لا بدّ من الالتزام بها. ويحصل من جرّاء شدّة الاعتناء والتمسّك بها أن يجعل الله الطّهارة سريعة التحقّق. فيقطع البعض مسافة طويلة في رحلة التّقوى هذه بزمن قليل، ولهذا يقول الإمام الخميني قدس سره: "نعم، ربما ينال السّالك، بمقتضى سبق الرحمة وغلبة جهة "يلي الربّي"، الإمداد الغيبي، ويحرق بالجذوة الإلهيّة ما بقي من الأنانية إن بقيت. ولعلّ في كيفيّة تجلّي الحقّ للجبل واندكاكه وصعق موسى إشارة لما ذكر، وهذا الفرق أيضا موجود بين السّالك المجذوب والمجذوب السّالك"7.

كلّ مخلوق محبوب، ولولا الحبّ الإلهيّ لما نال أحد شيئًا من بركات الوجود وتشعشعاته، لكنّ الإنسان قد يستقبل من فيض محبّة الله القليل القليل، فيكتفي من الوجود بأخسّ مراتبه وهو الوجود الماديّ والطبيعيّ.

وبعض النّاس يستقبلون الحبّ الإلهيّ كلّه، فتوصلهم جذبة الحبّ إلى مقام القرب. وعندها سيكون سلوكهم أفضل مظهرٍ لهذا الحبّ الإلهيّ والعناية الربّانيّة الخاصّة. ويطلق على أمثال هؤلاء عنوان المجذوب السّالك لغلبة جهة المحبّة الإلهيّة على سلوكه، أمّا من غلبت عليه جهة المجاهدة والجهد والتّعب والمشقّة فيُطلق عليه عنوان السّالك المجذوب، وإن كان الكلّ على طريق المحبّة الموصلة إلى الله تعالى.

أسرار التخلّص من النّجاسة
ينقل الإمام الخميني قدس سره حديثًا منسوبًا إلى الإمام الصّادق عليه السلام، ويتوقّف عند بعض معانيه وما فيه من أسرار خلق الإنسان في عالم الطّبيعة. اقتضت حكمة الله ومشيئته أن ينتقل الإنسان من جنّته التي وُجد فيها بدايةً وأن يهبط إلى هذه الأرض. ففي عالمه الأوّل ما كان يجوع ولا يعرى، وبدون الجوع لا حاجة للطّعام، ومع عدم الحاجة إلى الطّعام، فلا حاجة إلى تخلية القذارات الحاصلة من قوّة الهاضمة. لكنّ الله أهبطه إلى الأرض لا ليهينه أو يطرده، بل ليبدأ رحلة جديدة في معرفة الحقيقة التي ما كان له أن يكتشفه في عالمه الأوّل، وهذه الحقيقة تنكشف بمعرفة أمرين أساسيين، هما: حقيقة عجزه وذلّته، وحقيقة غنى الربّ المتعال، يقول الإمام الخميني قدس سره: "فعن مصباح الشّريعة: قال الصادق عليه السلام: "سُمّي المستراح مستراحًا لاستراحة النّفوس من أثـقال النّجاسات واستفراغ الكثافات والقذر فيها، والمؤمن يعتبر عندها أنّ الخالص من حطام الدّنيا كذلك يصير عاقبته فيستريح بالعدول عنها وتركها، ويفرّغ نفسه وقلبه عن شغلها ويستنكف عن جمعها وأخذها استنكافه عن النجاسة والغائط والقذر ويتفكّر في نفسه المكرمة في حال، كيف تصير ذليلة في حال، ويعلم أنّ التمسّك بالقناعة والتّقوى يورث له راحة الدّارين وأنّ الراحة في هوان الدّنيا والفراغ من التمتّع بها وفي إزالة النجاسة من الحرام والشّبهة، فيغلق عن نفسه باب الكِبر بعد معرفته إيّاها، ويفرّ من الذّنوب ويفتح باب التّواضع والنّدم والحياء ويجتهد في أداء أوامره واجتناب نواهيه طلبًا لحسن المآب وطيب الزُّلفى، ويسجن نفسه في سجن الخوف والصّبر والكفّ عن الشّهوات، إلى أن يتّصل بأمان الله في دار القرار ويذوق طعم رضاه، فإنّ المعوّل ذلك وما عداه لا شيء"8 (انتهى كلامه الشريف)"9.

أهميّة تحصيل حظوظ الرّوح
يقول الإمام الخميني شارحًا: "هذا الكلام الشّريف حكم ودستور جامع لأهل المعرفة والسّلوك، وهو أنّ الإنسان اليقظان السّالك إلى دار الآخرة لا بدّ أن يستوفي في كلّ حال من الحالات حظوظه الرّوحانيّة، ولا يغفل في أيّ حال عن ذكر مرجعه ومآله، ولهذا قالت الحكماء: النبيّ خادم القضاء، كما إنّ الطّبيب خادم البدن. فإنّ الأنبياء العظام والأولياء الكرام عليهم السلام حيث إنّهم لا يرون إلّا القضاء الإلهيّ ولا يشاهدون سوى جهة "يلي اللهي"، والحاكم في قلوبهم هو ملكوت القضاء الإلهيّ، يرون جريان جميع الأمور بأيدي ملائكة الله التي هي جنود الله. والطّبيب الطّبيعيّ حيث إنّه بعيد عن هذه المرحلة ومستبعد من هذا الوادي، ينسب جريان الأمور الطّبيعيّة إلى القوى الطّبيعيّة.

وبالجملة، على الإنسان السّالك أن يحصل على حظوظ سلوكه في جميع الحالات ومن كلّ الأمور. فإذا رأى أنّ الحطام الدنيويّ ولذائذ عالم الملك كلّها زائلة ومتغيّرة وعاقبة أمرها الى الفساد والأفول، فيعرض قلبه عنها بسهولة، ويفرغ قلبه من الاشتغال بها ويستنكف عنها كما يستنكف عن القذارات"10.

معرفة باطن عالم الطّبيعة
وعندما يستغرق الإنسان في عالم الطّبيعة، فإنّ وجهته تصبح وجهة السفل والانحطاط، فينحرف عن الطريق الذي عليه أن يسلكه للرجوع إلى أصله، ولهذا يقول الإمام الخميني قدس سره: "إنّ باطن عالم الطّبيعة هو القذارة، وتعبير القذارة والأوساخ في الرؤية (التي هي باب من المكاشفة) هو الدّنيا والمال. وفي المكاشفة العلوية عليه السلام الدّنيا جيفة وميتة"11.

التفرّغ من عالم الطّبيعة
فإذا علم الإنسان حقيقة التوجّه إلى عالم الطّبيعة، وجب عليه أن يتفرغ منه، لهذا يقول الإمام الخميني قدس سره: "فالمؤمن مثلما أنّه يفرغ نفسه من الأثقال والفضلات الطبيعية، ويريح المدينة الطّبيعية من أذاها، كذلك يريح قلبه من التعلّق والاشتغال بها ويرفع عن القلب ثقل حبّ الدّنيا، ويريح ويفرغ المدينة الروحانية الفاضلة منها. ويتفكّر كيف أنّ الاشتغال في الدّنيا أذلّ النّفس الشريفة بعد عدّة ساعات، وأحوجها إلى أقبح الحالات وأفضحها، كذلك الاشتغال القلبيّ بالعالم بعدما يرتفع حجاب الملك والطّبيعة وما هو ببعيد، يذلّ الإنسان ويبتليه بالحساب والعقاب"12.

طريق التفرّغ هو التقوى
وليس للإنسان أن يختار من نفسه طريق الفراغ من الدّنيا واجتناب الطّبيعة، لأنّ ذلك لن يورثه سوى المزيد من التعلّق بها. وهذا ما شاهدناه في طرق الرّهبنة والرياضات المخترعة والمبتدعة، ولهذا كان البرنامج الإلهيّ المنبثق من معرفة فلسفة الوجود في عالم الطّبيعة هو الطريق الوحيد لتحقيق ذلك الانعتاق والخلاص. فالإنسان لم يهبط إلى عالم الطّبيعة ليخرج منها فحسب، بل يتحمّل مسؤولية إحيائها وعمارتها، وبذلك يحصل ذلك الخروج.

يقول الإمام الخميني قدس سره: "وليُعلم أن التمسّك بالتقوى والقناعة موجب لراحة الدارين. وإنّ الراحة في هوان الدّنيا وعدميّتها، فلذلك لا يلتذّ ولا يتمتّع بها. وكما إنّه طهّر نفسه من النّجاسات الصوريّة، كذلك سيطهّر نفسه من نجاسات المحرّمات والشّبهات. وإذا عرف نفسه ووجد ذلّة احتياجها، وأغلق باب الكبر والتّعظيم عن نفسه، وفرّ من العصيان والذّنوب، وفتح على نفسه باب التّواضع والنّدامة، وجدّ واجتهد في إطاعة أوامر الحقّ واجتناب معصيته حتّى يكون له حسن المآب إلى الحقّ، ويتقرّب إلى مقام القدس بطهارة النّفس وصفائها. وليسجن هو نفسَه في سجن الخوف والصبر والكفّ عن الشهوات النّفسانية، كي يأمن من سجن العذاب الإلهيّ، ويلحق بالحقّ في دار القرار وفي كنف ذاته المقدّسة، فيذوق في تلك الحال طعم رضا الحقّ تعالى... وهذا غاية آمال أهل السلوك، وليس لغيره أيّة قيمة"13.

* الآداب المعنوية للصلاة في ضوء فكر الإمام الخميني(قده)


1- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص85.
2- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 85 - 86.
3- م.ن، ص 86.
4- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 86.
5- م.ن، ص 87.
6- م.ن، ص 87.
7- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 87.
8- الامام جعفر الصادق عليه السلام، مصباح الشريعة، ص 126 - 127.
9- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 91 .
10- م.ن، ص 91 - 92.
11- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص92.
12- م.ن.
13- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص92.

| 3170 قراءة

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد