مواقيت الصلاة
الفجر : 04:56
الشروق : 06:14
الظهر : 11:21
العصر : 14:09
المغرب : 16:48
العشاء : 17:41
منتصف الليل : 22:38
الإمساك : 04:48
X
X
الاعلان

سرّ النية وآدابها

سرّ النية وآدابها

سرّ النية وآدابها

تمهيد
كلّنا سمعنا الحديث القائل: "إنّما الأعمال بالنيّات"1. ولأنّ ليس للإنسان إلّا ما سعى، فإنّ طريق إصلاح السعي وجعله وسيلة للتكامل والوصول إلى الله يبدأ من إصلاح النية. فما هي النية؟ وماذا نحتاج من أمور لإصلاحها؟

يقعد الشيطان صراط الله المستقيم، ويسعى بكلّ ما أوتي من غواية أن لمنع الإنسان من إصلاح نيّته من خلال صدّه عن التفكّر في معنى النوايا.

وبدل أن يهتم مثل هذا الإنسان بما هو مطلوب منه، يصرف عمره الثّمين فيما لا طائل وراءه. وهذا النوع من الناس هو الذي يتّصف بالشخصية الوسواسية في مجال النية. فتراه مشغولًا طوال الوقت في تحصيل النية التي لا يمكن لأيّ إنسان أن يمتنع عنها في أيّ عملٍ، بدل إصلاحها من خلال إصلاح مقاصده وأهدافه. فما هي النية؟ وكيف نعمل على إصلاحها دون أن نقع بالوسوسة الشيطانية؟

النية وملازمتها للعمل الاختياري
يقول الإمام الخميني قدس سره: "اعلم أنّ النيّة عبارة عن التّصميم والعزم على إتيان شيء، وإجماع النفس على إتيانه بعد تصوّره والتصديق بفائدته والحكم بلزوم إتيانه. وهي حالة نفسانية ووجدانية تنبعث بعد هذه الأمور، ونعبّر عنها بالهمّة والعزم والإرادة والقصد، وهي موجودة في جميع الأفعال الاختيارية، ولا يمكن تخلّف فعل اختياريّ عنها. وهذا الأمر موجود في تمام العمل حقيقة من دون شائبة مجاز.

ولا يلزم أن تكون حاصلة في الذهن أثناء العمل أو في بدايته تفصيلًا، أو أن يتصوّر الفاعل هذا القصد والتصميم بالتفصيل، بل ربّما يحدث أن يأتي الإنسان بالعمل بذلك التصميم والعزم وهو ذاهل وغافل بالكلّية عن الصورة التفصيلية للعمل وعن التصميم. ولكن تلك الحقيقة موجودة، ويوجد العمل في الخارج بتحريكها كما هو واضح وجدانًا في الأفعال الاختيارية"2.

فأصل النية في أيّ عمل هو أمرٌ قهريّ لا مفرّ منه، والاختياريّ فيها هو نوع القصد لا أصل القصد، أو طبيعة المقصد والغاية التي تولّد فينا الدافع للقيام بالفعل.

لا بدّ للإنسان من تصوّر لنتائج الأفعال الاختيارية التي يقوم بها. وقد يصبح هذا التصوّر بديهيًّا أو حاضرًا إلى الدرجة التي لا يلتفت معها إلى وجوده، لكنّه من المستحيل ألّا تتوجّه النفس أثناء القيام بأيّ فعل إلى مقصد ما من ورائه، يقول الإمام الخميني قدس سره: "وبالجملة، هذا التصميم والعزم الذي هو عبارة عن النيّة في لسان الفقهاء (رضوان الله عليهم) موجود في كلّ عمل بلا تخلّف، بحيث لو أراد أحد أن يوجد العمل الاختياري بدونه فهو غير ممكن"3.

وسوسة الشيطان ودورها في تخريب النية
"ومع ذلك فإنّ وسوسة الشيطان الخبيث ودعابة الواهمة تسيطران على العقل وتعميان هذا الأمر الضروريّ على الإنسان المسكين، وعوضاً عن أن يصرف عمره الثمين لتحسين عمله وتخليصه وتنقيته من المفاسد الباطنية وقضائه في معارف التوحيد ومعرفة الحقّ وطلبه، يوسوس له إبليس الخبيث، ويقضي نصف عمره في أمرٍ ضروريّ وشيء واجب الحصول"4.

وهذه الحالة هي التي تجعل الإنسان يفكّر فيما إذا كان قد نوى لهذا الفعل أو لا. فعند وقوفه للصلاة مثلًا، وكلما أراد التكبير للبدء بالصلاة يظنّ أنّه لم ينوِ للصلاة، فلا يقدر على التكبير. أو أنّه إذا كبّر يعود مجددًا ويعتبر أنّ تكبيره كان فاقدًا للنية.
وبالتأكيد، إنّ هذه الحالة اللاعقلانية نابعة من ضعف النفس المزمن وسيطرة إبليس على الإنسان يقول الإمام الخميني قدس سره: "إنّ للشيطان حبائل ومكائد كثيرة، فيحمل البعض على ترك العمل من الأساس، والآخر على الرياء والعجب وسائر المفاسد إذا يئس من أنّه سيترك أصل العمل. وإذا لم ينجح في هذا الأمر يبطل عمله من خلال التظاهر بالقداسة حينما يوهن عبادات جميع الناس في نظره، ويصف له الناس بعدم المبالاة (بالدين)، ثمّ يلزمه أن يصرف كلّ عمره في النيّة، مثلًا، التي هي أمر ملازم للعمل أو في التكبيرة أو في القراءة التي هي كّلها من الأمور العادية ولا تحتاج إلى مؤونة، وفي النهاية لا يرضى عن الإنسان إلّا بعد أن يبطل عمله بإحدى الطرق المذكورة"5.

فأحد مبادئ الوسوسة هو الكبر الذي قد ينشأ من شعور داخلي بالدونية.

الشخصية الوسواسية
هذا الإنسان المريض، ولكي يتعالى على عباد الله، يوهم نفسه أنّه شديد الاهتمام بالعبادة، وأنّ عبادة الآخرين ليس لها قيمة. ولكي يعبّر عن هذا الاهتمام الشديد، فإنّه يتشدّد بتحصيل النية، في حين أنّ الآخرين يتهاونون بها، لأنّهم ليسوا من أهل العبادة والقلب، يقول الإمام الخميني قدس سره: "إنّ للوسواس شؤونًا كثيرة وطرقًا لا تُحصى، لا نستطيع الآن أن نبحث فيها كلّها ونستقصي جميع شؤونها، ولكنّ الوسوسة في النية لعلّها الأكثر أضحوكة والأعجب، لأنّه إذا أراد أحد ما أن يقوم بكلّ قواه وفي جميع عمره بأداء أمر واحد اختياري بدون نيّة لن يتمكّن أبداً. ومع ذلك، ترى مسكيناً مريض النفس وضعيف العقل يعطّل نفسه في كلّ صلاة مدّة مديدة لكي تحقّق صلاته النية والعزم! فمثل هذا الشخص كمن يتفكّر مدة مديدة لكي يحصل على النية للذهاب إلى السوق أو تناول الغداء.

فالصّلاة التي ينبغي أن تكون لهذا المسكين معراج قربه ومفتاح سعادته وبالتأدّب بآدابها القلبيّة والاطّلاع على أسرار هذه اللطيفة الإلهيّة يكمل ذاته ويدرك نشأة حياته، فهو يغفل عن كلّ هذه الأمور، بل لا يراها ضرورية، لا بل يعدّها كلّها باطلة، وينفق رأسماله العزيز في خدمة الشيطان وإطاعة الوسواس الخنّاس، ويجعل عقله الذي هو هبة الله ونور هدايته تحت سيطرة إبليس.

فعن عبدالله بن سنان، قال: ذكرت لأبي عبدالله عليه السلام رجلاً مبتلى بالوضوء والصلاة، وقلت: هو رجل عاقل، فقال أبو عبدالله عليه السلام: "وأيّ عقل له وهو يطيع الشيطان"؟! فقلت له: وكيف يطيع الشيطان؟ فقال: "سله: هذا الذي يأتيه من أيّ شيء هو؟ فإنه يقول لك: من عمل الشيطان"6،7.

يقول الإمام الخميني قدس سره: "فمن الممكن أن تكون عبادات الإنسان لمدّة أربعين سنة غير صحيحة، حتى بحسب الصورة، وتكون فاقدة لأجزائها الصورية الفقهية فضلًا عن الآداب الباطنية والشرعية.

وممّا يضحك الثكلى أنّ بعض هؤلاء الأشخاص المبتلين بالوسواس يعدّون أعمال جميع الناس باطلة ويحسبونهم غير مبالين بدينهم. مع أنّ هذا الوسواسيّ نفسه، إن كان مقلّدًا فمرجع تقليده هو أحد هؤلاء الناس، وإن كان من أهل الفضل (العلم) فليرجع إلى الأخبار ليرى أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأئمّة الهدى عليهم السلام أيضًا كانوا في هذه الأمور كمتعارف الناس.

فهذه الطائفة الوسواسية هي التي تعمل من بين جميع الناس على خلاف رسول الله والأئمّة المعصومين عليهم السلام وفقهاء المذهب وعلماء الدين، وتعدّ أعمال الناس جميعًا كلاً شيء، وأنّ عملها هي فقط موافق للاحتياط، وأنّها تبالي بالدين"8.

إنّ المشكلة الكبرى في باب الوسوسة هي أنّ الشخص المبتلى بهذه الخصلة لا يكون مستعدًا للتفقّه في الدين، وهو لا يدري أنّه مخالف بالصراحة للأحكام الشرعية، ولو تأمّل قليلًا فيما يعنيه عمله، لما استمرّ عليه لحظة واحدة، ويقول الإمام الخميني قدس سره: "فمثلاً في باب الوضوء، تتواتر الأخبار التي بيّنت وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وعلى الظاهر فإنّه صلى الله عليه وآله وسلم يصبّ غرفة من الماء على وجهه وغرفة على يمينه وغرفة على شماله، وقد قام إجماع فقهاء الإمامية على التحقيق بأنّ هذا الوضوء صحيح، وظاهر كتاب الله أيضًا كذلك. وقد استشكل البعض في الغسل الثاني، بل الغَرفة الثانية، ولكنّ الغرفة الثانية، بل الغسل الثاني أيضًا لا بأس به وإن كان في استحبابه كلام، ولكنّ الغسل الثالث بدعة، ومبطل للوضوء بلا إشكال روايةً وفتوى.

فالآن، انظر إلى عمل الوسواسي المسكين، فهو لا يكتفي بعشرين غرفة تسبغ كلّ غرفة منها تمام اليد، وتُعدّ غسلة تامّة، فوضوؤه حينئذٍ باطل بلا إشكال. فهذا الشقيّ الضعيف العقل يرى هذا العمل الذي أتى به طاعة للشيطان ووسوسته، صحيحًا وموافقًا للاحتياط، ويرى أعمال سائر الناس باطلة. فمن هنا يُعلم وجه صدق الحديث الشّريف الذي عدّه بلا عقل. ويُعلم أنّ من يرى العمل الذي يخالف عمل رسول الله صحيحًا والعمل الذي يكون موافقًا لعمله صلى الله عليه وآله وسلم باطلًا، فهو إمّا خارج عن الدين، أو بلا عقل. وحيث إنّ هذا المسكين ليس بخارج عن الدين، فهو سفيه لا عقل له ومطيع للشيطان ومخالف للرحمن"9.

علاج الوسوسة
فمن كان للأطهار معظّمًا ولهم متّبعًا لكفاه معرفة أحوالهم أن يقلع عن هذه الوسوسة. وبالإضافة إلى ذلك يحتاج الوسواسي إلى أن يعترف بأنّه في مشكلة. أجل، إنّ أكثر المصابين بهذا المرض يشعرون بحجم المشكلة التي يتسبّب بها له ولعياله ومن هم حوله. لكنّ أكثر هؤلاء يرون في الاستمرار بهذه المعاناة وسيلة لجلب الأنظار وتحصيل التعاطف، وهم غير مدركين أنّ التعاطف الذي ينشأ من الشفقة لا يدوم، يقول الإمام قدس سره: "وبالجملة، لا بدّ للإنسان أن يقتلع هذا الجذر بكلّ ما تيسّر له من الرياضة والكلفة، فإنّه يمنع الإنسان عن جميع السعادات والخيرات"10.

وهذا العلاج بحسب كلام الإمام يتمركز في التفكّر، فيقول قدس سره: "وليس لهذه المصيبة والداء العضال علاج سوى:

التفكّر في الأمور التي ذكرناها، ومقارنة عمله بعمل المتدينين والعلماء والفقهاء رضوان الله عليهم. فإن رأى نفسه مخالفاً لهم، فليرغم أنف الشيطان ولا يعتني بذاك الخبيث.

فإذا وسوس له الشيطان بأنّ عملك باطل، يجيبه: إذا كان عمل جميع فقهاء الأمّة باطلًا، فليكن عملي أيضًا باطلًا.

فمن المرجوّ أنّه إذا خالف الشيطان مدّة، واستعاذ في ضمن هذا عاجزًا محتاجًا بالحقّ تعالى من شرّه، أن يزول هذا المرض وتنقطع عين طمع الشيطان عنه"11.

"كما أنّه في الروايات قد ذُكرت هذه الطريقة لدفع كثرة الشكّ الذي هو أيضًا من إلقاءات الشيطان. ففي الكافي الشريف بإسناده إلى أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: "إذا كثر عليك السهو فامضِ على صلاتك، فإنّه يوشك أن يدعك، إنّما هو من الشيطان"12.

وفي رواية أخرى عن الباقر أو الصادق عليهما السلام، قال: "لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه، فإنّ الشيطان خبيث معتاد لما عوّد، فليمضِ أحدكم في الوهم ولا يكثرنّ نقض الصلاة، فإنّه إذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليه الشكّ"، قال زرارة: ثمّ قال: "إنّما يريد الخبيث أن يُطاع، فاذا عُصي لم يعد إلى أحدكم"13.

وهذه من العلاجات المهمّة في جميع الأمور التي تكون من إلقاءات الشيطان ومن دعابات الواهمة الشيطانية، وفي الأحاديث الشريفة أدعية مناسبة أيضًا، فمن أرادها فليراجع الوسائل ومستدركها في أواخر كتاب الخلل"14.

* الآداب المعنوية للصلاة في ضوء فكر الإمام الخميني(قده).


1- الطوسي، محمد بن الحسن، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، تحقيق حسن الموسوي الخرسان، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1365هـ.ش.، ط 4، ج1، ص 83.
2- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 167 - 168.
3- م.ن، ص 168.
4- م.ن.
5- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 168.
6- الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص 12.
7- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 168 - 169.
8- م.ن، ص 169 - 170.
9- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 170.
10- م.ن، ص 169.
11- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 170 - 171.
12- الشيخ الكليني، الكافي، ج3، ص 359.
13- م.ن، ص 358.
14- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 171.

| 3422 قراءة

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد