في أجزاء الصلاة وأركانها
النية
النيّة هي أول ركن من أركان الصلاة، والمقصود من النيّة أن يعلم الإنسان ويعي ماذا يفعل وماذا يقول، وإلى من يتوجّه في أفعاله وأقواله. إنّ قيمة أيّ عمل تكون بالنية والدافع الذي من أجله نقوم بالفعل، وليس العمل صرفًا. لذلك، فإنّ حساب من يقف عند الإشارة بسبب حفظ النظام واحترام القانون، يختلف عن حساب من يقف بسبب الخوف من الشرطيّ والغرامة. من هنا، فإنّ للنية مكانة خاصة في العبادات، خصوصًا الصلاة، وما يجعل أيّ فعل عملًا عباديًّا هو النية أي قصد وجه الله به. فإذا لم تكن النية موجودة، فإنّ العمل، وإن كان ظاهره جيّدًا وصحيحًا، لكنّه يفقد قيمة العبادة. يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّما الأعمال بالنيّات"1، لذلك فإنّ التفاوت المادّي أوالمعنوي لأيّ عمل هو في اختلاف النية والهدف.
النية الخالصة:
النية الخالصة هي أن يكون عمل الإنسان لله تعالى فقط، أي خالصاً لوجهه سبحانه، وأن لا يكون في عمق روح الإنسان أيّ هدف سوى الله سبحانه ورضاه، فلا ينتظر أو يتوقّع من الناس أيّ شكر أو جزاء على عمله: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورً﴾2.
إنّ أرغفة الخبز التي تصدّق بها أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، في تلك الليالي المتوالية، عند الإفطار، على اليتيم والأسير والفقير، لم تكن بتلك القيمة المادّية الكبيرة، لكنّها كانت خالصة لوجه الله تعالى، لذلك استحقّت أن ينزل فيها قرآن: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرً﴾3.
نقرأ في السيرة في صدر الإسلام: أنّه لما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى غزوة تبوك، قال: إنّ بالمدينة أقوامًا، ما قطعنا واديًا، ولا وطأنا موطنًا يغيظ الكفار، ولا أنفقنا نفقة، ولا أصابتنا مخمصة، إلا وشاركونا في ذلك وهم في المدينة، قالوا وكيف ذلك يا رسول الله وهم ليسوا معنا؟ فقال: حبسهم العذر، فشاركونا بحسن النية. وفي الخبر: أنّ رجلًا من المسلمين قُتل في سبيل الله بأيدي الكفار، وكان يُدعى بين المسلمين شهيد الحمار، لأنّه قاتل رجلًا من الكافرين بنية أن يأخذ حماره بعد قتله، فقُتِل على ذلك فأُضيف إلى نيته4.
إنّ خلوص النية عمل دقيق وليس بالأمر الهيّن، فأحيانًا توجد في أعماق نفس الإنسان أفكار "غير إلهية" قد ترسّخت في الأعماق، بحيث إنّ الإنسان نفسه لا يلتفت إليها، لذلك قيل إنّ الرياء والشرك الخفيّ أدقّ من دبيب نملة سوداء على صخرة سوداء في ظلمة ليل أسود. فهناك أشخاص - وما أكثرهم - يظنّون أنّهم يعملون بقصد القربة، لكن عند المنحدرات والمنزلقات يظهر أنّ قصد هؤلاء لم يكن خالصاً مئة بالمئة.
فالنية، بحسب تعبير العلّامة الشهيد مطهّري، تعني "معرفة الذّات" وقيمة العبادة بالمعرفة. نقرأ في رواية أنّ "نية المؤمن خير من عمله"5، لأنّ النية روح الأعمال، فكما أنّ الروح أفضل من الجسم، إذا ما قارنّا بينهما، وأنّ إنسانية الإنسان بروحه، كذلك في مقارنة العمل والنية، فإنّ النية أهمّ من العمل نفسه، لأنّها روح العمل. لذلك، فإنّ النية هامّة وقيّمة، إلى حدّ أنّ المولى تعالى يجزي الإنسان خيرًا ويعطيه الثواب إذا لم يستطع القيام بعمل الخير، لكنّه ملك نية العمل به، فلو استطاع لفعله، كما ورد في الحديث عن أبي عبد الله عليه السلام: "إنّ العبد المؤمن الفقير ليقول: يا رب ارزقني حتى أفعل كذا وكذا من البرّ ووجوه الخير، فإذا علم الله ذلك منه بصدق نية كتب الله له من الأجر مثل ما يكتب له لو عمله، إنّ الله واسع كريم"6. وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الله تعالى لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، وإنّما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم، وإنّما ينظر إلى القلوب لأنّها مظنّة النيّة"7.
قصد القربة:
قصد القربة يعني قصد القرب من المقام الربوبي. وليس خافيًا أنّه عندما يُقال فلان قريب من الشخصية الفلانية، أو المسؤول الفلاني، فهذا لا يعني أبدًا القرب المكاني أو الجسمي، وإلا فإنّ الخدم هم أقرب من الجميع! إنّما المقصود من القرب، هو القرب المعنويّ والمقاميّ وقرب الأنس. ثم إنّ القيام بالأعمال في سبيل مرضاة الله سبحانه وتعالى، ليس بمعنى أنّ الله عزّ وجلّ يتأثّر بأعمالنا، فيغيّر سلوكه وأسلوبه، وبذلك يُصبح محلًّا للحوادث، كما يقول علماء الكلام، ولا يعني ذلك تغييره القوانين والسنن، بل القرب ورضا الله تعالى هنا، بمعنى صعود روح الإنسان وارتقائها في سلم الوجود، بحيث تكون النتيجة النفوذ إلى الوجود، يعني القرب من منبع الوجود وإيجاده في قلبه، فكما أنّ مرّاتب الوجود متفاوتة بين الجماد والنبات والحيوان والإنسان، كذلك أيضاً مرّاتب الإنسان في القرب من منبع الوجود، فإنّها مختلفة، فالإنسان يستطيع أن يتقرّب إلى الله تعالى ويُصبح مقرّبًا من أعتاب قدسه إلى حدٍّ يُصبح مع هذا القرب خليفة الله سبحانه في الأرض. لذلك، فإنّ العبادة مع قصد القربة تجعل الإنسان أكثر نورانية وكمالاً، وتمنحه سعة وجودية أكبر. إنّ جميع العبادات - خصوصاً الصلاة المستحبّة - لها دور هام في هذا الأمر، كما ورد في الحديث القدسي: "لا يزال العبد يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أُحبّه فإذا أحببته صظرت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يُبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها"8، فالصلاة الواجبة قد تُقام خوفاً من النار والعذاب الإلهي، أمّا الصلاة المستحبّة (النافلة) فهي علامة العشق، ورمز الأنس بالمعبود الأزلي.
درجات القرب:
وردت كلمة "درجات" في القرآن مكرّرة في عدّة مواضع، وهي تدلّ على أنّ الدرجات المعنوية ليست محدودة، وقد جاءت في تعابير متعدّدة وفيها نقاط لطيفة. فمثلاً، يصف البعض بأنّ ﴿لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ﴾9 وفي وصف لمجموعة أخرى يقول: ﴿هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ﴾10. مثلهم كمثل الأشخاص العظماء والكبار، فهم يعطون المكان مكانته وقيمته ويعلو المكان بهم ولا يعلون به، وبعبارة أخرى هذه الآية كأنّها تقول هم الدرجة وهم يجعلونها تسمو بهم، فهم الدرجة وليسوا أصحاب الدرجة. وقد ورد في سورة المعارج قوله تعالى: ﴿مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ﴾11، أي صاحب السماء ومالك محل العروج الذي منه تعرج الملائكة، إذ إنّ الله سبحانه جعل للملائكة درجات مختلفة يتوجّهون بها إلى قربه بالتدريج، وهذا يُبيّن أنّ التصنيف في الدرجات المعنوية ليس خاصًّا بالإنسان وحده، بل الملائكة أيضًا ذوو درجات ولكلٍّ منهم محلّه الخاصّ للعروج. ويؤكّد هذا المعنى وصف القرآن جبرائيل عليه السلام بأنّه مطاع وأمين12، أي هو مطاع من الملائكة وهذا يعني أنّه أرفع منهم شأنًا. من هنا، فإنّ درجات البشر متفاوتة: أحيانًا يكون الإنسان مطيعًا فقط، مثل عبد مطيع.
وأحيانًا لا يكون مطيعاً فحسب، بل ومحبًّا أيضًا، أي أنّه مطيعٌ بسبب العشق والمحبّة.
وفي حالات أخرى يكون المقام أعلى من الطاعة والمحبّة، عندها يصل إلى المعرفة الكاملة، وهنالك يرى الإنسان الله في كلّ شيءٍ ولا يغفل عنه عزّ وجلّ طرفة عين، وهذا حال أمير المؤمنين عليّ عليه السلام حيث يقول: "ما رأيت شيئًا إلا ورأيت الله قبله وبعده ومعه"13.
طلب الله لذاته:
يُقال إنّ السلطان محمود الغزنوي أراد يومًا أن يمتحن حاشيته في القصر، ليختبر مدى وفائهم له، فسيّر قافلة، ووضع صندوقًا مليئًا بالمجوهرات على ظهر بعير، ولم يجعل للصندوق قفلًا، وعندما وصل البعير إلى مكانٍ منحدر أخافه السلطان فجفل وسقط الصندوق وتبعثرت محتوياته من الجواهر والحليّ الثمينة. فقال السلطان لمن حوله ولمرافقيه، كلّ من يلتقط شيئًا من المجوهرات فهي ملك له، عندها تركوا السلطان وحيدًا، وراحوا يجمعون ما استطاعوا من الذهب، إلا شخصٌ واحدٌ يُدعى "إياز" لم يلتفت إلى الذهب والجواهر، وتابع سيره خلف السلطان، فالتفت السلطان إليه وسأله: "لماذا لم تلحق بالمجوهرات فتجمع ما استطعت؟". فأجابه إياز شعراً:
أنا أسير خلفك وهدفي الخدمة وليس النعمة، فإذا كنت تتطلّع إلى إحسان الحبيب، فأنت في قيد نفسك وليس في قيده، إنّ الأولياء لا يتمنّون من الله سوى الله. القرآن الكريم يُشير إلى هذه الحالة من الطلب والعبادة، فيُخبر عن أولئك الذين يدعون الله في أوقات الحاجة وحالات الشدّة حيث لا معين لهم سواه عزّ وجلّ، فهؤلاء يطلبون الله من أجل أنفسهم، فإذا نالوا بغيتهم وما أرادوا انفتلوا ونسوا ربّهم الذي كانوا يدعونه ويتضرّعون إليه. يقول المولى تعالى: ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾14. ويمكن تقسيم العبادات والأعمال من هذه الجهة إلى أقسام عدّة هي:
• العمل لأجل الذّات والنفس، وهذه عبادة للذّات.
• العمل لأجل الله تعالى والناس، وهذه عبادة مزدوجة وغير خالصة.
• العمل لأجله سبحانه، عبادة الله عزّ وجلّ.
ورد في المناجاة: "إلهي ما عبدتك خوفًا من نارك ولا طمعًا في جنّتك بل وجدتك أهلًا للعبادة فعبدّتك"15. إنّ الذين يبتغون المنفعة ويطمعون بالربح هم التجّار، ومن يعمل خوفًا من سيّده فهو عبد، لكنّ الأحرار وحدهم يعملون ويعبدون الله شكرًا له، لأنّه أهل للعبادة: "فإنّ قومًا عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجّار، وإنّ قومًا عبدوا الله رهبةً فتلك عبادة العبيد، وإن قومًا عبدوا الله شكرًا فتلك عبادة الأحرار"16.
يقول حافظ الشيرازي الشاعر الإيرانيّ المعروف:
إلهي قلبي لا يتّسع لسواك، فحسبي أنّك محبوبي، وإذا كنت من أُحبّ فما همّني لو خاصمني العالمين.
ومن الشعر العربيّ، ما يُشبه هذا البيت في المعنى:
ليت الذي بيني وبينك عامر، وبيني وبين العالمين خراب.
خلاصة القول، إنّ الإنسان في العشق الماديّ يطلب معشوقه لنفسه، ومن أجل ذاته، لكن في العشق المعنويّ المقدّس، فإنّ الإنسان يُضحّي بنفسه لأجل المعشوق، كما في قول أمير المؤمنين علي عليه السلام في دعاء كميل: "واجعل قلبي بحبّك متيّمًا".
سبيل الوصول إلى مقام القرب:
الوصول إلى مقام القرب يكون من طريقين:
الأول: معرفة عظمة الله سبحانه ومقامه.
والثاني: معرفة أنّ كلّ ما سواه سراب وهباء. وإذا عدنا إلى القرآن، نجد أنّ الله تعالى يذكّر الإنسان دائمًا بالألطاف والنعم التي أنعمها عليه، لكي يُحبّ هذا الإنسان خالقه، فيُذكّره بالنِّعم ويصف له الصفات، الخلق، الإمداد والعون المادّي والمعنوي، وعشرات النعم العظيمة (صغيرة وكبيرة)، كلّ ذلك ليفتح قلوب الناس على حبّه.
من جهة أخرى، نجد آياتٍ كثيرة تصف ضعف الموجودات وعجزها، وأنّ ما من شيء إلا قائمٌ به سبحانه، فلا عزّة لغيره، ولا قدرة إلا قدرته، فلو اجتمع الخلق كلّهم ما استطاعوا خلق ذبابة. فمن يمكنه مساعدة المحتاجين والعاجزين والمضطّرين سوى الله عزّ وجلّ... فهل من المعقول أن نضع بعض المخلوقات إلى جانب خالق هذه المخلوقات، ونجعلها شبيهة أو ندًّا له تعالى عمّا يصفون؟!
خاطرة وعبرة:
يُنقل عن آية الله العظمى السيد البروجردي، وهو أحد مراجع التقليد، يُنقل أنّه كان يُقيم مجالس العزاء في منزله. في أحد المجالس لم تكن حالته الصحية جيّدة، لذلك اضطّر إلى الجلوس في غرفته الخاصّة من أجل الاستراحة، فكان يسمع قراءة مجلس العزاء من غرفته، خلال المجلس دعا أحد الحاضرين المشاركين إلى الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أجل سلامة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وسلامة السيد البروجردي. فما كان من السيّد البروجردي إلا أن غادر فراشه وعاتب المنادي على ذكر اسمه إلى جانب اسم صاحب الزمان، اعتقادًا منه أنّه لا يستحقّ ذكر اسمه إلى جانب اسم الإمام المهديّ17.
من يرفض ذكر اسمه إلى جانب اسم إمامه هو المرجع الذي نعتقد أنّه نائب عن الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، فما بالك بكثير من الناس الذين يذكرون أسماء المخلوقات إلى جانب اسم الخالق.
الكيفية، أم الكمية:
لا شكّ في أنّ الإسلام يهتمّ بكيفيّة العمل وهدفه والدافع لأجله، والقرآن الكريم يتحدّث عن العمل الأفضل والأحسن، ويُثني عليه، قال تعالى: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلً﴾18.
تكشف لنا سيرة أئمة الهدى عليهم السلام، عن أنّ أمير المؤمنين عليّ عليه السلام يتصدّق بخاتمه أثناء الركوع لفقير، وقد خلّد الله هذا الإحسان بذكره في كتابه، وربّما يصوّر بعض الناس أنّ قيمة هذه الصدقة نابعة من قيمة الخاتم الذي يظنّ بعضٌ أنّها تساوي خراج بلاد الشام. وقد صوّره الشاعر الإيراني بأنّه خاتمٌ ملكيٌّ، فقال: أيّها المتسول المسكين اذهب إلى باب عليّ، واطرقه، فقد أعطى المتسوّل من كرمه خاتمًا ملكيًّا.
في حين أنّ هذا الخاتم، بهذه القيمة التي وصفوها، لا يتوافق مع زهد عليّ عليه السلام، ولا مع عدله عليه السلام، فكيف يمكن أن يضع مثل هذا الخاتم بيده، وبين الناس من يُعاني آلام الجوع والفقر؟ ويبدو لنا أنّ قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾19، نزل ليخلّد هذا الإحسان بناء على كيفيّته وليس استنادًا إلى كمّيته، فليس وزن الخاتم ولا نوع معدنه أو الحجر الكريم الذي يُزيّنه هو المهمّ، بل المهمّ هو الروح التي صدر عنها هذا الفعل.
يُقال إنّ "بهلول" رأى جماعة يبنون مسجدًا، ويدّعون أنّه لله تعالى، فعمد إلى حجرٍ وكتب عليه اسمه ليتوهّم الناس أنّه هو من يبني هذا المسجد. وفي اليوم التالي جاء العمّال فوجدوا الحجر وما كُتب عليه، فأخبروا هارون الرشيد بذلك، فاستدعاه هارون الرشيد وسأله عن فعلته. قال بهلول: "أيُّها الخليفة! إن أنت بنيت هذا المسجد لله، فدع اسمي عليه، فإنّ الله تعالى يعلم من الذي بنى وعمّر المسجد، وهو لن يُخطئ في الجزاء، بل سيمنحه لبانيه وليس لمن وضع اسمه عليه، فإن كان المسجد لله سبحانه، فلا فرق إن كان اسمك عليه أو اسمي. لقد أفهمه بهلول أنّ عمله هذا لم يكن بقصد القربة إلى الله عزّ وجلّ، بل كان للشهرة والسمعة فحسب. لهذا السبب ولأجل اهتمام الإسلام بالكيف أكثر من الكمّ، يُشبّه القرآن الكريم أعمال الكفار بالسراب، الذي يحسبه الظمآن المسافر في الصحراء ماء، لكنّه في الواقع لا شيء: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا...﴾20.
شمولية الإسلام وجامعيّته:
الإسلام يعدّ العمل صالحًا عندما يشتمل هذا العمل على عناصر عدّة ينضمّ بعضها إلى بعضها الآخر. وأهمّ هذه العناصر: حسن العمل، وحسن الدافع، وحسن الوسيلة، وحسن الأسلوب. فإذا فُقِد عنصرٌ واحدٌ من هذه العناصر الأربعة لم يكن العمل صالحًا، وفُقد هذا العمل قيمته، لأنّ قصد القربة ليس فقط ضروريًّا في بداية العمل وحسب، بل يجب أن يُرافق قصد القربة العمل على طول خطّ إنجازه، أي منذ البداية حتى النهاية وعلى الدوام، وإلا فإنّ العمل كلّه باطل. فمحرّك الطائرة عندما يتوقّف تهوي الطائرة، والأمر كذلك في العبادات فإذا طرأ الشرك ودخل على العمل حتّى للحظة واحدة فقد العمل قيمته وتحوّل إلى وبالٍ على صاحبه.
من الذاكرة:
أذكر أنّي كنت مسافرًا في الطائرة، فطُلِب من الركّاب النزول من الطائرة ومغادرتها لإجراء بعض الأعمال فيها قبل إقلاعها، فسألت يومها عن السبب، فقيل لي إنّهم وجدوا في الطائرة صرصورًا، فتعجّبتُ من الأمر وسألت مجدّدًا هل يستدعي وجود مثل هذه الحشرة الصغيرة كلّ هذا الاستنفار؟ فأخبروني أنّ هذه الحشرة الصغيرة قد تقرض سلكًا أو شيئًا حسّاسًا فتُعطّل جهازًا من أجهزة الطائرة، فتتعرّض سلامة المسافرين للخطر. وكثيرًا ما يحدث أنّ الإنسان يكون في مسيرة العروج إلى الله تعالى، فتختلّ سلامة رحلته بسبب دخول حشرات الشرك والرياء إلى أعماله، فتتحوّل الرحلة بدل العروج إلى الهبوط، ويتحوّل التحليق إلى سير نزوليّ.
النية وقيمة العمل:
لنفترض أنّ شخصًا قتل إنسانًا ظلمًا وتعدّيًا، ثمّ في ما بعد تبيّن أنّ المقتول إنسان ظالم ومجرمٌ أيضًا، ويستحقّ الإعدام، في هذه الحالة، صحيحٌ أنّ القاتل أراح الناس من ظلم هذا الظالم، لكن لمّا كان يقصد من الأوّل قتل إنسانٍ بريء فهو لا يستحقّ المدح والثناء على فعله، والسبب هو النيّة السيّئة التي كانت مقارنةً للعمل منذ بدايته. إذًا، لا يكفي أن يكون العمل مفيدًا ليكون عملًا صالحًا، بل يجب أن يترافق مع الدافع الخالص والسليم، لذلك، نرى أنّ القرآن الكريم يُحدّثنا في جميع المواضع عن قصد القربة، فالأعمال تعتمد على ذلك، في الخمس والزكاة والإنفاق، وفي مجاهدة الكفار أيضًا، من ذلك عبارات ترد في القرآن الكريم كقوله تعالى: "في سبيل الله"، "لوجه الله"، "ابتغاء مرضاة الله"21، هذا الاعتماد يشير إلى أهمية قصد القربة.
ثمّة عددٌ كبيرٌ من الناس يؤدّون بعض الأعمال التي ظاهرها أنّها أعمال خيّرة، مثل بناء المدارس والمستشفيات، وشقّ الطرقات وغير ذلك من الأعمال التي يترتّب عليها منافع للناس، ولكن هذه الأعمال إذا لم تكن بقصد التقرّب إلى الله فهي في الحقيقة ظلمٌ منهم لأنفسهم، وهم بهذه الأعمال ينفعون الناس ولكن لا ينفعون أنفسهم، إن لم نقل إنّهم يضرّون أنفسهم بتركهم النيّة الحسنة والقصد الخيّر. ومن هنا نجد القرآن يجمع كثيرًا بين الإيمان والعمل الصالح، ومن ذلك قول الله عزّ وجلّ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ﴾22، وقوله في موضع آخر: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾23، وهذا المعنى والمعنى السابق يتكرّر مرّات عدّة في القرآن الكريم ليؤكّد أنّ "حسن الفعل" لا يشفع وحده لفاعله، بل لا بدّ من أن يكون الفاعل نفسه حسنًا. وتعبير الحسن الفعلي والحسن الفاعلي يذكران في بعض النقاشات في علم أصول الفقه في مجال قريب ممّا نحن فيه.
ورد في الخبر أنّ بلالًا الحبشيّ (مؤذّن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يلثغ، فينطق الشين في "أشهد..." سينًا، فعابه الناس على ذلك، لكنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "سين بلال شين عند الله"24. صحيح أنّ نطقه كان في الظاهر ناقصًا، لكن عمله كان بقصد القرب وحسن النيّة فجزاه الله خير الجزاء. ويُذكر أنّ عبد الله بن مكتوم وهو صحابيّ جليلٌ، كان ضريرًا لا يُبصر، دخل يومًا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والرسول يُكلِّم بعض الناس، وفيهم رجلٌ من بني أمية، فلمّا رآه الرجل تقذّر منه وجمع نفسه وعبس، وأعرض بوجهه عنه، فأنكر الله تعالى ذلك عليه، نعم بالنسبة إلى شخص ضرير فإنّ العبوس أو التبسُّم سواء، فهو لا يرى، غير أنّ القرآن الكريم أنزل في ذلك سورة، وتحدث في عشر آيات عن ذلك الشخص العبوس إذ أنكر عليه فعلته: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَاءهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى﴾25.
وبناء على ما تقدّم يتبيّن أنّ المعيار في تقويم العمل ليس هو المنفعة أو الضرر فقط، بل معيار القيمة الأساس للعمل هو النيّة التي كانت وراءه إلى جانب ما يترتّب عليه من منفعة وآثار حسنة لخلق الله.
فالأخلاق في مدرسة الأنبياء لها قيمة ذاتيّة، وليست وسيلة لجذب الناس واستمالة قلوبهم، كما هي في حسابات التجّار الذين يُحسّنون أخلاقهم ويحسنون معاملة المشترين لجذب قلوبهم ودفعهم إلى إنفاق أموالهم بين يدي هذا التاجر الذي يتظاهر بحسن الأخلاق من أجل ما فيها من منفعة اقتصاديّة له. من هنا نجد أنّ الله عزّ وجلّ ذمّ العبوس في وجه الأعمى على الرغم من أنّه لا يتأثّر به، وإنّما ذمّه لأنّ العبوس في مقياس الأخلاق الدِّينيّة أمر قبيح بغضّ النظر عن الآثار التي تترتّب عليه.
نعم إنّ قصد القربة يعني أن يكون العمل خالصًا لله تعالى، ولوجهه سبحانه، من غير خوف من القيل والقال، فالله تعالى يصف المؤمنين بقوله: ﴿يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ...﴾26. فقصد القربة يعني أن تفعل الخير وتقول الحقّ ولا تخاف أحدًا سوى الله تعالى، عندها يكون الإنسان مصداقًا لقوله تعالى في وصف الدعاة إليه ومبلّغي رسالاته: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبً﴾27.
من الذاكرة:
"في أحد الأيام، كنت مشغولاً بالدعاء والزيارة في حرم الإمام الرضا عليه السلام، كان رجل زائرٌ يجلس بجانبي، وقد عرفني من برنامجي التلفزيوني ليلة الجمعة، فجأة أخذ بعض النقود وقال لي: سيّد قراءتي خذ هذه النقود وأعطها لفقير. قلت له أنا زائر مثلك ولا أعرف الفقراء في مدينة مشهد، افعل أنت ذلك بنفسك وأعطها لفقير. مرّت لحظات ثم كرّر عليّ طلبه، وطلب إليّ أن آخذ المال وأُعطيه لفقير، فكان جوابي مثل المرّة الأولى، ثم تابعت الدعاء والزيارة. في المرّة الثالثة كرّر كلامه، فشعرت بالغضب، وقلت له، أنت اليوم تُشتّت أفكاري ثلاث مرّات من أجل "عشرين تومان" لو تفضّلت عليّ لا تزعجني أكثر، وأما المال فأنت أعطه لفقير بنفسك، عندها قال لي يا سيد قراءتي إنها ليست 20 تومان بل 1000 تومان. سكتت لحظات وهدأ غضبي، فقلت له توجد مؤسّسة تُعنى بالأولاد الأيتام، فقال لي: "الأمر إليك، افعل ما تراه مناسباً"، ثم ناولني المال وانصرف. بعد ذلك وضعت كتاب الدعاء جانبًا، وغرقت في التفكير، فقلت في نفسي: إن كان المال لوجه الله تعالى فما الفرق بين (20 تومان وألف تومان)؟ لقد أدركت آنذاك أن ذلك المشهد كان امتحانًا لي، لكي أعلم أنّ مفهوم قصد القربة حتّى تلك اللحظة لم يصل إلى المستوى المطلوب من الوضوح في نفسي.
من علامات الإخلاص أن لا يُفرِّق الإنسان بين الكمية، والأشخاص، والمناطق، ونوع العمل، والظروف، بل يكون جلّ اهتمامه وفكره في سبيل رضا الله تعالى، سواء فهم الناس أم لم يفهموا، أحبّوا أم كرهوا. طبعًا، المحبّة والعمل من أجل الناس أفضل من الأنانية وحبّ الذّات، لكن ليس لذلك قيمة إلهية من دون هدف إلهي، وعلى حدّ تعبير العلّامة الشهيد مرتضى مطهّري: "قصد القربة هو شرط ذاتيّ وليس اعتباريًّا ولا عقديًّا، هو شرط تكويني وليس تشريفيًّا. فإذا قلنا إنّ شرط الوصول إلى مكة هو قطع المسافة المؤدّية إلى مكة، فهذا شرط طبيعيّ وذاتيّ، وليس أمرًا اعتباريًّا مبنيًّا على التراضي والتوافق بين الناس. وقصد القربة هو الشرط التكوينيّ الطبيعيّ للوصول إلى مقام القرب، وليس شرطًا اعتباريًّا خاضعًا للتراضي والاعتبار.
آثار النية وبركاتها:
إذا نظرنا إلى الآيات المباركة والأحاديث الشريفة نظرة سريعة وعابرة، نجد أن للنية آثاراً وبركات جمّة. نُبيّن بعضاً منها وبصورة مختصرة:
حسن النية يزيد من الرزق: "ومن حسنت نيّته زاد الله في رزقه"28. ولعلّ حسن النية يجعل من سلوك الشخص مع الآخرين سلوكًا طيّبًا، فينجذب الناس إليه، ويكثر محبّوه، ويزيد عمله وخيره ورزقه.
حسن النية يزيد من التوفيق والعيش الطيّب، ويكسب الأصدقاء: في الحديث: "من حسنت نيته كثرت مثوبته وطابت عيشته ووجبت مودّته"29. فالألطاف الإلهية تشمل الإنسان بقدر حسن نيته، وكلّما زادت النية الحسنة لدى الإنسان ازداد اللطف الإلهي به.
حسن النية يزيد من عمر الإنسان: فعن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "من حسنت نيته زيد في عمره"30. وقد ورد في الحديث أنّ المرء ليبلغ كلّ ما يريد بحسن النية. عن أبي عبد الله عليه السلام: "من رجع من مكة وهو ينوي الحج من قابل زيد في عمره"31.
حسن النية يجبر ما فات: فقد ورد عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنّه "من تاب من معصية بحسن نية بدّل الله ذنبه حسنة وجعل له من أمره يسراً وأصلح حاله"32. وورد عنه عليه السلام: "لو أنّ الناس حين تنزل بهم النقم وتزول منهم النعم، فزعوا إلى ربّهم بصدق من نياتهم ووله من قلوبهم، لردّ عليهم كلّ شارد، وأصلح لهم كلّ فار"33.
الجزاء على النيّة حتّى لو لم يصدر الفعل: فأجر الأفعال الطيّبة يحسب في ميزان الإنسان إذا كانت نيّته صادقة وإن لم ينجز العمل الذي نوى فعله. فعن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "إنّ العبد المؤمن الفقير ليقول: يا ربّ ارزقني حتّى أفعل كذا وكذا من البرّ ووجوه الخير. فإذا علم الله ذلك منه بصدق نيّة كتب الله له من الأجر مثل ما يكتب له لو عمله، إنّ الله واسع كريم"34. وكذلك ورد أنّ من تمنّى الشهادة صادقًا أعطاه الله ثواب الشهداء واحتسبه منهم ولو مات على فراشه35.
ومن اللطف الإلهي ما ورد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "من همّ بحسنة فلم يعملها كُتِبت له حسنة، فإن عملها كُتبت له عشرًا، ويضاعف الله لمن يشاء إلى سبعمئة، ومن همّ بسيّئةٍ فلم يعملها لم تُكتب عليه حتّى يعملها، فإن لم يعملها كُتِبت له حسنة، وإن عملها أُجِّل تسع ساعات، فإن تاب وندم عليها لم تُكتَب عليه، وإن لم يتب ولم يندم عليها كُتِبت عليه سيئة"36.
صفاء النيّة يحوّل الأعمال العاديّة إلى أعمال مقدّسة: النية الصادقة والحسنة تجعل من أكثر الأمور المادّية في الحياة سببًا للقرب من الله سبحانه. في المقابل فإنّ أكثر الحالات المعنوية مثل السجود والبكاء، قد تُصبح سببًا للبعد عن الله عزّ وجلّ إذا خالطها الرياء والتظاهر. ورد في الروايات عن الإمام الكاظم عليه السلام: "كما لا يقوم الجسد إلا بالنفس الحيّة، فكذلك لا يقوم الدِّين إلا بالنية الصادقة"37. وعن الإمام الصادق عليه السلام: "صاحب النية الصادقة صاحب القلب السليم، لأنّ سلامة القلب من هواجس المحذورات بتخليص النية لله في الأمور كلّها"38. كما وردت روايات متعدّدة تؤكّد أنّ الله تعالى يُحاسب الناس يوم القيامة على نواياهم. وفي بعض الأخبار أنّ صدق النيّة والإخلاص يشدّ عزم الإنسان ويقوّي بدنه على فعل الطاعة، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "ما ضُعف بدنٌ عمّا قويت عليه النية"39.
إنّ الله تعالى يُدخل بحسن النية وصالح السريرة من يشاء من عباده الجنة40. يقول المولى تعالى: ﴿وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمً﴾41، لذلك، فإنّ من كان هدفه أداء الواجب والعمل بالتكليف لا يهمّه نوع العمل، ولا النتيجة، التكليف والعمل به هو المهم، المهمّ هو الجهاد في سبيل الله، أما النتيجة، سواء كانت النصر أم الهزيمة، فليس لها أيّ تأثير في الجزاء الإلهي. يقول المولى تعالى في موضع آخر: ﴿وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمً﴾42، ويُفهم من هذه الآية المباركة أنّ من يخرج من بيته في سبيل الله تعالى فقد وقع له الأجر، وإن لم يصل إلى مقصده، فالمهمّ هو النية والدافع نحو العمل وليس العمل نفسه، المهم الخروج والسير في سبيل الله، وليس الوصول إلى المقصد. يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لأبي ذرّ الغفاري (رضوان الله عليه) عليه في وصيّته له: "يا أبا ذرّ همّ بالحسنة وإن لم تعملها، لكي لا تُكتب من الغافلين"43. في حديث آخر عن إمامنا الرضا عليه السلام: "تصدّق بالشيء وإن قلّ، فإنّ كلّ شيء يُراد به الله وإن قلّ بعد أن تصدق النية فيه عظيم"44. كما وأنّه قد تكون الأعمال هامّة وعظيمة، ولكنّها تفقد قيمتها عندما تفقد النية الصحيحة والحسنة، حتى أنّ القتل في جبهات القتال قد لا يُكتب عند الله تعالى شهادة، وقصة "شهيد الحمار" معروفة في تاريخ المسلمين، وقد أشرنا إليها قبل قليل. ورد في الحديث عن رسولنا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّ أكثر شهداء أمّتي يذهبون من الدنيا من على فراشهم، وكثير ممّن يقتلون في الحرب، فإنّ الله تعالى أخبر بنواياهم45. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّما الأعمال بالنيّات، ولكلّ امرء ما نوى، فمن غزا ابتغاء ما عند الله فقد وقع أجره على الله عزّ وجلّ، ومن غزا يريد عرض الدنيا أو نوى عقالاً لم يكن له إلا ما نوى"46.
عندما خرج النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة تبوك، كان بعض المسلمين يريدون الخروج معه لكنّهم لم يتمكّنوا من ذلك، فوقع أجرهم على الله تعالى (كما ورد في رواية سابقة). فمن كان يريد الخروج ولم يستطع فقد شارك بالأجر بسبب، والسبب النية. قال أحدهم لأبي عبد الله عليه السلام: "إنّي سمعتك تقول: نية المؤمن خير من عمله، فكيف تكون النية خيرًا من العمل؟ قال: لأنّ العمل ربّما كان رياء للمخلوقين، والنية خالصة لربّ العالمين فيعطي عزّ وجلّ على النية ما لا يُعطي على العمل"47. وقال أبو عبد الله عليه السلام: "إنّ العبد لينوي من نهاره أن يُصلّي بالليل فتغلبه عينه فينام، فيثبت الله له صلاته، ويكتب نفسه تسبيحًا، ويجعل نومه عليه صدقة"48.
ليس غريبًا أن نرى الإسلام يوصي بأن تكون جميع أعمال الإنسان مقدّسة، صادرة عن نيّة سليمة وحسنة، وأن تكون حياتنا كلّها لله تعالى. ورد عن أبي ذرّ الغفاري عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "يا أبا ذر ليكن لك في كلّ شيء نية حتى في النوم والأكل"49. إنّ الإنسان إذا أحبّ شخصًا في الله وظنّ أنّه من أهل الخير فهو مأجور، حتى ولو كان الشخص الذي أحبّه من أهل النار كما ورد في الأحاديث والروايات50.
تقدّم النيّة على العمل:
تتقدّم نية العمل على العمل نفسه أحيانًا، لأنّ العمل قد يُصاحبه الرياء أو العجب في بعض الحالات، أمّا النية فلا يدخل فيها الرياء والسمعة وأمثال ذلك، لأنّها أمر باطنيٌّ وليس لها آثار ظاهريّة، والأمر الآخر الذي تمتاز به النيّة على العمل أنّها ممكنة في كلّ زمانٍ ومكانٍ ولا تتطلّب شروطًا خاصّة، لكن أداء العمل بحاجة إلى شروط وإمكانات كثيرة. وقد ورد في الأخبار عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مجموعة من الروايات تُعرف بروايات: "من بلغه"، حيث نجد فيها أنّ شخصًا إذا سمع رواية تقول إنّ للعمل الفلاني الجزاء الفلاني، فقام بذاك العمل طلبًا للثواب الموعود به في الخبر، فإنّ الله تعالى يُعطيه نفس ذلك الجزاء، حتى وإن كانت الرواية غير صحيحة، لأنّ الشخص الذي عمل بهذا الحديث قام به بقصد الرجاء وحسن نية.
مرّاتب النية:
المرتبة الأولى: أحيانًا يكون الخوف من غضب الله تعالى أو الطمع بلطفه هو الدافع للإنسان لكي يقوم بالفعل، كما يقول الله تعالى في محكم كتابه العزيز: ﴿وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعً﴾51، ويقول عزّ وجلّ أيضًا: ﴿وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبً﴾52.
المرتبة الثانية: وهذه المرتبة أعلى من سابقتها إذ يكون الدافع في هذه الحالة هو أداء حقّ الشكر لله تعالى على ألطافه ونعمه، فيُقدم الإنسان على العبادة أو العمل حتّى لو لم يكن ثمّة وعد بالثواب ولا وعيد بالعقاب. يقول أمير الموحّدين عليّ عليه السلام: "لو لم يتوعّد الله على معصيته لكان يجب ألّا يُعصى شكرًا لنعمته"53.
المرتبة الثالثة: وهي أرقى درجة من سابقتيها. وفي هذه المرتبة يؤدّي العبد ما يراه مطلوبًا منه بدافع الحياء من الله عزّ وجلّ والشعور بهيبته. وينسجم مع هذه المرتبة من النيّة ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "اعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك"54.
المرتبة الرابعة: وفي هذه المرتبة يؤدّي العبد ما عليه بدافع القرب من الله وبدافع الإحساس بأنّ الله تعالى أهلٌ للعبادة ومستحقٌّ لها، فلا يلتفت العبد إلى الجنّة ولا يطمع بالحصول عليها، ولا ينظر إلى النار ولا يخشى التورّط فيها. وقد ورد عن الإمام عليّ عليه السلامفي وصف هذه المرتبة قوله: "إلهي ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك ولكن وجدتّك أهلاً للعبادة فعبدّتك"55.
المرتبة الخامسة: ولعلّها المرتبة الأرقى بين هذه المرّاتب، ويصل الإنسان فيها إلى حالة يشعر بأنّه عاشق لله ومحبٌّ له. ومن النماذج التي يمكن أن تُذكر كأمثلة لهذه المرتبة ما فعله الإمام الحسين عليه السلام حيث قدّم نفسه وأهله في سبيل الله تعالى، إذ رأى الموت بمثابة القلادة على صدر العروس، كما في قوله عليه السلام: "خُطّ الموت على ولد ابن آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة"56. ومثله في هذا المقام ما يُنقل عن أبيه إمام المتّقين عليّ عليه السلام فقد كان يأنس بالموت كما يأنس الطفل بثدي أمّه وأكثر: "والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمّه..."57. وهذه هي سيرة أولياء الله تعالى، فهذه عبارة القاسم بن الحسن المجتبى عليه السلام في كربلاء ما زالت تُدوّي في الخافقين، حين سأله عمّه الإمام الحسين عليه السلام قال له يا بنيّ كيف الموت عندك؟ فقال: يا عم فيك أحلى من العسل58.
دور النية في الثواب والعقاب:
اهتمّ الإسلام بالمسائل القانونيّة والجزائيّة، ففتح للقصد والنية حسابًا منفصلاً، حيث نُشير إلى ذلك بنماذج: في مسألة القتل نجد أنّ الإسلام أعدّ لمن يقتل شخصًا عمدًا حسابًا يختلف عن حساب من يقتل بغير عمد ولا قصد، فلكلٍّ من القاتِلَين حساب وحكم مختلف: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمً﴾59. أمّا في مسألة القسم فالقرآن الكريم يقول: ﴿لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾60، لذلك إذا أقسم شخص من دون نية أو قصد جدّي فلا قيمة لقسمه.
المعرفة مقدّمة قصد القربة:
المعرفة هي الطريق الأهمّ للوصول إلى قصد القربة والنيّة السليمة الحسنة، فنحن يُمكننا أن نُعدّ أنفسنا للعمل الصالح والخالص مع قصد القربة:
عندما نعلم أنّ القلوب بيد الله تعالى ومحبّة الناس كالرزق لا يحصل عليه الإنسان في كثير من الأحيان بالجهد والتعب. يقول الله عزّ وجلّ على لسان إبراهيم فيقول: ﴿رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾61.
عندما نعلم أنّ النفع والضرّ ليس خاضعًا بالكامل لإرادة البشر62.
عندما نعلم أنّ العمل لله تعالى يتبعه أجرٌ مضاعف عند الله تعالى، عشرات وعشرات المرّات، لذلك من الظلم أن نعمل لغيره.
عندما نعلم أنّ الترقّي والصعود في المقامات الاجتماعية ليس دليلًا على العظمة الواقعيّة، فالدخان الأسود يصعد إلى أعلى الجوّ أيضًا.
عندما نعلم أنّ اهتمام الناس ونظرهم إلينا ليس له قيمة حقيقية، فكثيرة هي الأمور غير المحترمة التي تلفت نظر الناس أيضًا. فالفيل لو سار في الطريق لما بقي إنسان إلا ونظر إليه، فهل يدلّ هذا الاهتمام على احترام الناس له؟
عندما نعلم خطر الرياء وأنّه سيتحوّل يومًا ما إلى فضيحة وخزي، يومذاك عندما تكشف السرائر، يُفتقد القلب السليم وتُعلم أهميّة صدق النية: ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾63.
عندما نعلم أنّ العزّة والقوّة لله جميعًا ومفاتيحها في قبضته: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ﴾64.
وأخيرًا عندما نعلم ما هي الخسائر التي سنُمنى بها في حال فساد نوايانا.
آثار النية الفاسدة:
في ختام الحديث عن النيّة تجدر الإشارة إلى آفات النيّة الفاسدة وآثارها السلبيّة.
- سوء النية داء دفين، وله آثار سلبية كثيرة، منها أن ترتفع البركة وتنزل البلية65. ورد عن الإمام السجاد عليه السلام أنّ النية السيّئة سبب لعدم قبول الدعاء، وإنّ المؤمن لينوي الذنب فيحرم رزقه66.
- النية السيّئة لا تسقط الأعمال والعبادات من كونها إلهية، وتخرجها من الصبغة الإلهية فحسب، بل إنّ سوء النية يستتبع أخطارًا وآثارًا سيّئة جدًّا، يقول الإمام الصادق عليه السلام: "من استدان دينًا فلم ينوِ قضاءه كان بمنزلة السارق"67. كذلك في المهر، فقد ورد في الحديث عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "من تزوّج امرأة ولا يجعل في نفسه أن يُعطيها مهرها فهو زنا"68، وفي حديث آخر: "كان بمنزلة السارق"69.
- الحرمان من الرزق: كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ المؤمن لينوي الذنب فيحرم رزقه"70، ونموذج ذلك قصّة أصحاب البستان المذكورين في القرآن الكريم في سورة القلم من الآية 16 إلى الآية 30، اذ يقول تعالى: ﴿إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ﴾. وهم إخوة كان أبوهم يملك بستانًا قرب صنعاء اليمن، فكان يأخذ منها قوت سنته ويتصدّق بالباقي، وكان يترك للمساكين ما أخطأه المنجل وما في أسفل الأكداس وما أخطأه القطاف من العنب وما بعد من البساط الذي يبسط تحت النخلة إذا صُرمت (قُطفت ثمارها)، فكان يجتمع لهم شيء كثيرٌ. فلمّا مات قال بنوه: إن فعلنا ما كان يفعل أبونا ضاق علينا الأمر، ونحن أولو عيال، فحلفوا أن يقطفوا بستانهم عند الصباح قبل أن يستيقظ المساكين، ولم يقولوا إن شاء الله. فأرسل الله نارًا إلى بستانهم فأحرقته وهم نيام قبل أن يطلع عليهم الصباح. فلمّا استيقظوا وذهبوا إلى بستانهم وجدوه هشيمًا كالصريم أي أسود كالليل المظلم. عندها أفاقوا في سبات الغفلة وأدركوا بأنّ الحرمان والنقص هو منع حقّ الفقراء. وليس أداء حقوقهم. ويفهم من هذه القصة الواردة في القرآن أنّ الله تعالى يجزي الناس في كثيرٍ من الأحيان على أساس القصد والنية.
- فساد النيّة مؤشّر دالٌّ على الشقاء، كما في تعبير أمير المؤمنين عليه السلام: "من الشقاء فساد النية"71.
- فساد النية سببٌ لقلّة البركة ونقص العمر. وقد ورد هذا المعنى في رواية عن أمير المؤمنين عليه السلام يقول فيها: "عند فساد النية ترتفع البركة"72، وفي رواية أخرى، يقول: "من أساء النية منع الأمنية"73.
قصة وعبرة:
يُحكى أنّه قيل لشخص لك عند الله تعالى ثلاث دعوات مستجابة بسبب عمل خير عملته، ففرح الرجل لذلك وراح يُفكّر بماذا سيدعو ربّه عزّ وجلّ، فدعا في الدعاء الأوّل أن تصير زوجته أجمل امرأة على وجه الأرض، فاستجاب الله له، لكن حياته تحوّلت إلى شقاء وعذاب لا يُطاق، لأنّها صارت محلًّا لعيون المتطفّلين الذين لا يتركون النظر إليها لجمالها. فدعا في الثانية أن تكون أقبح امرأة على وجه الأرض، فاستُجيبت دعوته، ولكنّه لم يستطع تحمّل الحياة مع امرأة قبيحة الوجه. وفي المرّة الثالثة دعا ربّه أن يُعيدها إلى ما كانت عليه سابقًا، فعادت كما كانت، وبذلك استخدم الرجل ثلاث دعوات ولم يستفد من أيٍّ منها، ولم يصل إلى أيّ نتيجة، وهذا هو معنى أن تُسلب البركة من الإنسان فيخسر النعم التي أنعمها الله عليه دون أن يستثمرها بالشكل المطلوب.
* كتاب شرح الصلاة.
1- بحار الأنوار، ج 70، ص 210.
2- سورة الإنسان: الآية 9.
3- سورة الإنسان: الآية 7.
4- الشيخ النراقي، جامع السعادات، ج3، ص90.
5- بحار الأنوار، ج 67 ، ص 210.
6- وسائل الشيعة، ج1، ص49.
7- جامع السعادات، ج 3، ص 89.
8- شفاء الصدور، ج 2، ص 142، "فارسي".
9- سورة الأنفال: الآية 4.
10- سورة آل عمران: الآية 163.
11- سورة المعارج: الآية 3.
12- سورة التكوير: الآية 21.
13- التبريزي الأنصاري، اللمعة البيضاء، ص 169.
14- سورة العنكبوت: الآية 65.
15- بحار الأنوار، ج 7، ص 186.
16- بحار الأنوار، ج 41، ص 14.
17- نقلا عن آية الله الصافي.
18- سورة هود: الآية 7.
19- سورة المائدة: الآية 55.
20- سورة النور: الآية 39.
21- على التوالي، سورة البقرة: الآية 90، سورة البقرة: الآية 207، سورة الإنسان: الآية 9.
22- سورة البقرة: الآية 277.
23- سورة غافر: الآية 40.
24- آقا رضا الهمداني، مصباح الفقيه، ج 2، ص 278.
25- سورة عبس: الآيات 1-10.
26- سورة المائدة: الآية 54.
27- سورة الأحزاب: الآية 39.
28- وسائل الشيعة، ج1، ص 37.
29- عيون الحكم والمواعظ،، ص 465.
30- ميزان الحكمة، ج 3، ص 2116.
31- وسائل الشيعة، ج 8، ص 107.
32- انظر: نهج البلاغة، الخطبة 178.
33- نهج البلاغة، الخطبة 178.
34- وسائل الشيعة ، ج 1، ص 36.
35- بحار الأنوار، ج 70، ص 201.
36- وسائل الشيعة، ج 1، ص 40.
37- ابن شعبة الحرّاني، تحف العقول، ص 396.
38- بحار الأنوار، ج 70، ص 210.
39- وسائل الشيعة، ج 1، ص 38.
40- عيون الحكم والمواعظ، ص 143.
41- سورة النساء: الآية 74.
42- سورة النساء: الآية 100.
43- وسائل الشيعة، ج 1، ص 40.
44- وسائل الشيعة، ج 1، ص 87.
45- انظر: المحجة البيضاء، ج 8، ص 103.
46- وسائل الشيعة، ج 1، ص 35.
47- وسائل الشيعة، ج 1، ص 38.
48- وسائل الشيعة، ج 1، ص 38.
49- وسائل الشيعة، ج 1، ص 34.
50- انظر: المحجة البيضاء، ج 4، ص 374.
51- سورة الأعراف: الآية 56.
52- سورة الأنبياء: الآية 90.
53- نهج البلاغة، الحكمة 290.
54- رسائل الشهيد الثاني، ط ق، ص 17.
55- بحار الأنوار، ج 67، ص 186.
56- موسوعة كلمات الإمام الحسين عليه السلام، ص 397.
57- المصدر نفسه، ص 371.
58- ليلة عاشوراء في الحديث والأدب، ص 169.
59- سورة النساء: الآية 93.
60- سورة البقرة: الآية 225.
61- سورة إبراهيم: الآية 37.
62- انظر: المناجاة الشعبانية.
63- سورة الشعراء: الآيتان 88- 89.
64- سورة البقرة: الآية 165.
65- انظر: ميزان الحكمة، ج 4، ص 3420.
66- وسائل الشيعة، ج 1، ص 42.
67- وسائل الشيعة، ج 18، ص 328.
68- الوسائل، ج 15، ص 22.
69- المصدر نفسه.
70- المصدر نفسه.
71- ميزان الحكمة، ج 4، ص 3420.
72- المصدر نفسه.
73- المصدر نفسه.