مواقيت الصلاة
الفجر : 04:56
الشروق : 06:14
الظهر : 11:21
العصر : 14:09
المغرب : 16:48
العشاء : 17:41
منتصف الليل : 22:38
الإمساك : 04:48
X
X
الاعلان

آداب الحيعلات

آداب الحيعلات

آداب الحيعلات

تمهيد
إنّها الدّعوة الموجّهة إلى الفطرة الكامنة فينا، فطرة الله التي أُودعت في قلب كلّ إنسان، الفطرة التي لا تعشق ولا تطلب سوى الكمال المطلق والسّعادة المطلقة، الفطرة التي قامت على التوحيد وامتزجت بطلب الحقّ المطلق سبحانه وتعالى دون سواه.

بهذه الدعوة اليومية إلى الصلاة، والتي تتكرر على مسامعنا أو تنطق بها ألسنتنا، عسى أن تستجيب لها قلوبنا، نوقظ الفطرة الإلهيّة التي فطرنا الله عليها. هذه الدعوة هي لأجل توجيهنا نحو السعادة المطلقة التي تحصل في ظلّ جوار الله والقرب من الله.

وما هو مصداق هذه السعادة؟
إنّها الصلاة التي جمعت ذكر الله والحضور بين يدي الله الذي له كلّ كمال على نحو الإطلاق.

في قلب الصلاة يتحقّق هذا الحضور وتسقط جميع الحجب والموانع ويتحقّق مقام: ﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ1.

في ظلّ الصلاة ينال الإنسان مقام القرب في جنّة الله أو جنّة الذات.

في ظلّ الصلاة يعبر الإنسان مراتب التوحيد نحو معرفة الله التي هي ألذّ من جميع الجنان.

هذه هي دعوة الأذان والإقامة توقظ في المؤمنين الفطرة التي تحرّك نحو كلّ كمال.

وعلامة الاستجابة لهذا النداء لا تنحصر بالصلاة، بل ستكون الصلاة منطلق السعي الذي لا يتوقّف نحو كلّ كمال حقيقي.

متى تحين الصّلاة؟
يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "إذا أعلن السّالك إلى الله
بالتكبيرات عظمة الحقّ تعالى عن التّوصيف،
وبالشّهادة بالألوهيّة قصر التوصيف والتحميد، بل كلّ تأثير على الحقّ،
وأسقط نفسه عن لياقة القيام بالأمر،
واختار الرفيق والمصاحب بالشهادة بالرسالة والولاية،
وتمسّك بمقام الخلافة والولاية المقدّس، كما قيل الرفيق ثمّ الطريق،
فعليه بعد ذلك أن يهيّئ القوى الملكية والملكوتية بصريح اللهجة للصّلاة، ويعلن لها الحضور بقوله: حيّ على الصلاة"2.

ما هو سرّ تكرار الدعوة إلى الصلاة؟
ويقول الإمام قدس سره بشأن تكرار الدعوة هذه في الأذان والإقامة: "وتكراره للتنبيه الكامل والإيقاظ التام، أو إنّ أحدهما لقوى المملكة الداخلية، والآخر لقوى المملكة الخارجية، لأنّهما أيضًا سلاّك هذا السفر مع الإنسان، كما أُشير إلى ذلك فيما مرّ وفيما سيأتي"3.

فمثلما يتحرّك الإنسان ببدنه نحو الصلاة، يجب أن يحرّك قواه الباطنة نحو هذه السعادة والحضور، ويوجّه إليها دعوة الوصال والقرب.

آداب السالك حين إطلاق الدعوة إلى الصلاة
وبعدها يأتي الحديث عن الآداب التي ينبغي أن يراعيها الإنسان حين إطلاق الدعوة إلى الصّلاة، ولهذا يقول الإمام الخميني قدس سره:

"وأدب السّالك في هذا المقام هو:
1- أن يفهم قلبه وقواه وباطن قلبه قرب الحضور، حتى يتهيّأ له ويراقب آدابه الصورية والمعنوية بمنتهى الدقّة.
2- ثم يعلن سرّ الصلاة ونتيجتها بالإجمال بقوله: حيّ على الفلاح، وحيّ على خير العمل، كي يوقظ الفطرة"
4.

ما هو سرّ تكرار التكبيرات؟
إنّ الفطرة التي تعشق الكمال المطلق وتبعث نحوه لن تتفعّل في النفس ما لم تسمع النداء الذي يوجّهها إلى ما تصبو إليه. وما لم يعرف الإنسان المصداق الحقيقيّ لما تعشقه الفطرة يستحيل أن يتحرّك نحوه بالحركة الإرادية الاختيارية.

والمصداق الأتمّ الأبرز الأوحد لما تعشقه الفطرة الصافية هو الله تعالى، لأنّه المستجمع لكلّ الأسماء والصفات الحسنى التي هي الكمال المطلق. والاسم الله هو أفضل تعبير عن هذا الاسم الجامع، يقول الإمام قدس سره: "ويكرّر الله أكبر في جميع حالات الصلاة وانتقالاتها"5. فهذا للتأكيد على أنّ صلاتنا ليست سوى وصل واتّصال بالكمال اللامتناهي الذي خلقنا لأجله. ولأنّ التوحيد هو أسمى تعبير عن انحصار هذا الكمال بالله، ولأنّه لا معنى للمطلق إلا بالوحدانية، يقول الإمام قدس سره: "والتوحيدات الثلاثة التي هي قرّة عين الأولياء تحصل في الصلاة، وقد امتزجت فيها صورة الفناء المطلق والرجوع التام. وبحسب الباطن والحقيقة هي معراج قرب الحقّ وحقيقة الوصول إلى جمال الجميل المطلق والفناء في ذاته المقدّسة التي تعشقها الفطرة، وتحصل بها الطمأنينة التامّة والراحة المطلقة والسعادة العقلية التامّة ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ6.

فالكمال المطلق إذًا، وهو الوصول إلى فِناء الله والاتّصال بالبحر الوجوبيّ غير المتناهي وشهود جمال الأزل والاستغراق في بحر النور المطلق، يحصل في الصلاة.

وفيها أيضًا تحصل الراحة المطلقة والاستراحة التامّة والطمأنينة التامّة ويحصل فيها ركنا السعادة، فالصلاة هي الفلاح المطلق، وهي خير الأعمال"7.

ولأنّ تقبّل القلوب لهذه المعاني لا يحصل دفعة واحدة، فلا بدّ من التكرار وهنا يأتي دور التفهيم والتلقين، فيقول الإمام قدس سره: "وعلى السالك أن يفهّم القلب هذه اللطيفة الإلهيّة بالتكرار والتذكّر التام، ويوقظ بها الفطرة. فإذا وردت هذه اللطيفة في القلب، فالفطرة من حيث إنّها طالبة للكمال والسعادة تهتمّ بها وتحافظ عليها وتراقبها. وفي تكرارهما أيضًا النكتة التي ذكرناها"8.

العلاقة بين الصلاة والدعوة إلى الفلاح
تختصر الدعوة إلى الصّلاة كل معاني الفلاح والفوز والنجاح التي يطلبها الإنسان ويصبو إليها، فما هو هذا الفلاح الذي ندعو إليه في كلّ أذان وإقامة؟ يقول الإمام قدس سره: "لأنّ الفلاح والنجاح هي السّعادة المطلقة، وفطرة جميع البشر عاشقة للسعادة المطلقة، لأنّ الفطرة طالبة للكمال وتطلب الراحة، وحقيقة السعادة هي الكمال المطلق والراحة المطلقة. وهي تحصل في الصلاة التي هي خير الأعمال قلبًا وقالبًا وظهورًا وبطونًا، لأنّ الصلاة بحسب الظاهر هي الذكر الكبير والجامع والثناء بالاسم الأعظم المستجمع لجميع الشؤون الإلهيّة، ولهذا كان الأذان والإقامة مفتتحين بالله ومختتمين به"9.

فالدعوة إلى الصلاة عندما تقترن بالدعوة إلى الفلاح والسعادة والكمال المطلق توقظ الفطرة وتبعث النفس على التحرّك نحو الكمال. ويُعلم من هذا أنّ الدعوة إلى جميع التعاليم والتكاليف الدينية ينبغي أن تكون مصحوبة بهذا النداء الفطريّ لكي يتحقّق الانجذاب والتحرّك نحوها.

قد قامت الصلاة
يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "فإذا وصل السالك إلى ذلك المقام يعلن الحضور، فقد قامت الصلاة"10.

وأدبه:
1- "فلا بدّ أن يرى نفسه في حضور مالك الملوك في العوالم الوجودية وسلطان السلاطين والعظيم المطلق،
2- ويفهّم قلبه خطر الحضور الذي يرجع كلّه إلى القصور والتقصير الإمكاني،
3- ويرد المحضر بغاية الخجل من عدم القيام بالأمر، وبقدمي الخوف والرّجاء، ويفد على الكريم، ولا يرى لنفسه زاداً وراحلة،
4- ويرى قلبه فارغًا من السلامة،
5- ولا يحسب عمله من الحسنات، ولا يعدّه شيئًا يذكر.

فإذا استحكمت هذه الحال في القلب، فالمرجوّ أن يقع موردًا للعناية، ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ11.

وبإعلانه عن قيام الصلاة أو إقامتها يتحقّق الحضور، ولا يمكن أن يستفيد من هذا المحضر ما لم يدرك مدى عجزه وقصوره عن القيام بوظائف العبوديّة، لأنّ العبودية إنّما تقاس بحسب الربوبية. وكيف يمكن أن يؤدّي حقوقها وحقّ الله تعالى لا يمكن أن يدركه أحد؟!

وإذا كانت الصّلاة لأجل الثناء على الله تعالى بحقيقة الأمر، فأنّى للممكن أن يليق بالثناء والثناء وصف والوصف فرع المعرفة والمعرفة فرع الإحاطة، لهذا كان كمال الإخلاص له نفي الصفات عنه.

فلا يمكن والحال هذا أن تتّصف صلواتنا بالحسن، لأنّ الحسن يأتي من استحسان المحسن إليه. وكيف يمكن أن يكون ثناء الجاهل على الله حسنًا وهو لا يعرف قدره؟ اللهمّ، إلّا أن يقبل الله بلطفه وكرمه ويجبر نقصاننا ويجري على ألسنتنا ما يحبّ ويرضى.

شاهد من الأحاديث
ينقل الإمام قدس سره بعض الشواهد الروائية، ويعقّب عليها، فيقول: "محمد بن يعقوب، بإسناده عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: "إذا أذّنت وأقمت صلّى خلفك صفّان من الملائكة، وإذا أقمت صلّى خلفك صفّ من الملائكة"12، والأحاديث بهذا المضمون كثيرة، وفي بعض الأخبار: "إنّ حدّ الصفّ ما بين المشرق والمغرب"13.

وفي ثواب الأعمال قال أبو عبدالله عليه السلام: "من صلّى بأذان وإقامة، صلّى خلفه صفّان من الملائكة، ومن صلّى بإقامة من غير أذان صلّى خلفه صفّ واحد من الملائكة، قلت له: وكم مقدار كلّ صف؟ فقال: أقلّه ما بين المشرق والمغرب، وأكثره ما بين السماء والأرض"14. وفي بعض الروايات: "وإن أقام بغير أذان صلّى عن يمينه واحد وعن شماله واحد"15 إلى غير ذلك من الأخبار.

ولعلّ اختلاف الأخبار بسبب اختلاف المصلّين في المعارف والخلوص كما يُستفاد من بعض روايات الباب، مثل الرواية التي وردت في الصلاة مع الأذان والإقامة في أرض قفراء"16.

مسؤولية الإمامة ودورها في عمارة الملكوت
قد جعل الله تعالى لكلّ مصلٍّ من يعينه على صلاته. وليست ملائكة الله سوى ذلك الفيض المقدّس الذي يسري روح الكمال في كلّ شيء. فعندما تصلّي ملائكة الله تعالى مع المصلّي وتأتمّ به، فهذا يعني أنّ آثار صلاته سوف تسري في كلّ العالم، وبحسب ما يكون له من الصّلاة الحقيقية من فيض وكمال سينشر هذا الفيض في العالم.

إنّ ملائكة الله إنّما تستجيب لدعوة القلب اليقظ، لأنّ موجة سماعها هي من عالم القلوب. فمن كان حاضرًا بقلبه في الصّلاة وأدرك معنى الحضور سوف يدعو ملائكة الله لتصلّي خلفه.

وعندما تصلّي ملائكة الله خلفه، فهذا يعني انبعاث الآثار العظيمة من أعماق عالم الوجود.

إنّ المصلّي الحقيقيّ هو الذي ينشئ، بإذن الله، عالمًا عظيمًا من المعاني الملكوتية.

ومع كلّ صلاة يزداد حضور الملكوت في هذا العالم حتى يبدّله، يقول الإمام الخميني قدس سره: "وبالجملة، إذا رأى السالك نفسه إمامًا لملائكة الله وقلبه إمامًا لقواه الملكية والملكوتية، وجمع بالأذان والإقامة قواه الملكية والملكوتية، واجتمعت عليه ملائكة الله، فعليه أن يجعل القلب، وهو أفضل قوى الظاهر والباطن وشفيع سائر القوى، إمامًا"17.

وإذا أراد المصلّي لصلاته أن تكون معراجًا لملائكة الله التي تنشئ ملكوت العالم وتعمره، يجب عليه أن يحافظ على حضور القلب الذي هو إمام الملائكة. فما دام القلب حاضرًا ومتوجّهًا إلى معاني الصلاة تكون الملائكة مشغولة في عمارة الملكوت.

ولهذا يقول الإمام الخميني قدس سره: "وحيث إنّ القلب ضامن لقراءة المأمومين ووزرهم على عهدته، فلا بدّ له أن يحافظ عليه محافظة تامّة ويراقبه مراقبة جميلة لكي يحفظ الحضرة والحضور، ويقوم بأدب المقام المقدّس، ويغتنم هذا الاجتماع المقدّس، ويعظّم توجّه ملائكة الله وتأييدهم إيّاه، ويعرّفه من النّعم لوليّ النعمة الحقيقي، ويقدّم عجزه وقصوره عن شكر هذه النعم العظيمة إلى مقامه المقدس، إنّه وليّ النعم"18.

وهكذا تتحوّل الصلاة إلى نعمة، بدل أن تكون في النفس كلفة ومشقّة. فما أعظم أن يجعل الله تعالى الملائكة أعوانًا في رحلة السير إلى الله! ولا يمكن أن تستمر هذه الحالة وتزداد إلّا بشكر هذه النعمة، لقوله تعالى: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ19.

* الآداب المعنوية للصلاة في ضوء فكر الإمام الخميني(قده)


1- سورة الرحمن، الآية 55.
2- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 154.
3- م.ن.
4- م.ن، ص 155.
5- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 155.
6- سورة الرعد، الآية 28.
7- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 155.
8- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 155.
9- م.ن.
10- م.ن.
11- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 156.
12- الشيخ الكليني، الكافي، ج3، ص 303.
13- الشيخ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج5، ص 382.
14- ابن بابويه، محمد بن علي، ‏ثواب الأعمال وعقاب الأعمال‏، قم‏، نشر دار الشريف الرضي للنشر، 1406 هـ، ط 2، ص 33.
15- الشيخ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج5، ص 382.
16- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 156.
17- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 156 - 157.
18- م.ن، ص 157.
19- سورة إبراهيم، الآية 7.

| 6001 قراءة

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد