مواقيت الصلاة
الفجر : 04:56
الشروق : 06:14
الظهر : 11:21
العصر : 14:09
المغرب : 16:48
العشاء : 17:41
منتصف الليل : 22:38
الإمساك : 04:48
X
X
الاعلان

شروط الاستعاذة

شروط الاستعاذة

شروط الاستعاذة

تمهيد

لا بدّ للسّالك أن يلتفت إلى مدى نفوذ الشيطان في مملكة وجوده وفي سفره المعنويّ ورحلته السلوكيّة. وبما أنّ للسلوك مراتب ودرجات، فإنّ للتصرّفات الشيطانيّة والإغواءات الإبليسيّة درجات ومراتب أيضًا.

وهذه المراتب هي بأحد الوجوه والحيثيّات مراتب الوجود الإنسانيّ وبواطن النفس البشريّة. ففي كلّ مرتبة من مراتب النفس والذات، كما أنّه يوجد كمالات ومقامات إلهيّة معنويّة، يوجد تصرّفات وأهداف إبليسيّة، يجب على السالك التفطّن لها، لأنّ الخلاص منها هو سبيله لإكمال السير والوصول إلى الغاية المنشودة.

وعندما ينهض السالك لتحمّل مهمّة الاستعاذة، يحتاج إلى رعاية مجموعة من المطالب تُعدّ بمنزلة شروط الاستعاذة، وهي أيضًا شروط السير إلى الله تعالى.

أجل، إنّ هذه الشروط جميعًا يمكن إدراجها تحت عنوان كبير هو السير والسلوك، فما دام الإنسان بعيدًا عن هذا المعنى، فلا يمكنه الخلاص من شرّ الشيطان وغوايته، بل إنّ تركه للسفر المعنويّ ليس سوى أحد آثار العداوة الإبليسيّة.

ما هية الاستعاذة
إنّ استشعار عداوة إبليس ونتيجة هذا العداء وماهيّة الخسارة وحجمها هو الشرط الأول لتحقيق الاستعاذة. فما لم يدرك الإنسان ماهيّة شرّ الشيطان، أنّى له أن يستشعر حقيقة الخطر؟ لهذا ذكر الإمام هذا الشرّ على نحو كلّيّ، بأنّه كلّ ما يمنع من الاستغراق في بحر جمال الله وجلاله.

يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "والاستعاذة بوجه الله وبكلمات الله هي الاستغراق في بحر الجمال والجلال، وما منع الإنسان منه1 فهو من الشرور ومرتبط بعالم الشيطان ومكائده، ولا بدّ من الاستعاذة منه2 بوجه الله، سواء أكان من الحقائق السماويّة الكاملة أم من الأرضيّة الناقصة3، إلّا أن يكون طارقًا بخير، وهو الطارق الإلهيّ الذي يدعو إلى الخير المطلق، وهو الحقّ تعالى"4.

وإنّ جميع شروط الاستعاذة التي هي بمنزلة الكيفيّة أو الوسيلة للتخلّص من شرّ الشيطان اللعين ترجع إلى أمرٍ واحد، وهو اللجوء إلى الله تعالى. فالشيطان له من التأثير والغواية والإضلال ما لا يقدر الإنسان على مواجهته، وذلك لأنّ الإنسان عندما يعتمد على نفسه ويركن إلى حوله وقوّته يكون قد اعتمد على السراب، وركن إلى العجز والضعف، ولهذا نقول: لا حول ولا قوّة إلّا بالله.

وليس الشيطان في أحد معانيه سوى هذا الركون الذي يرجع إلى الشرك. فمن كان يرى لنفسه قوّةً أو تأثيرًا سيقول إنّني قادر على مواجهة هذا العدوّ البغيض بمفردي، ولن يتمكّن من السيطرة عليّ. أمّا الذي عرف حقيقة التوحيد وأدرك معنى عجز الكائنات وفقر الممكنات، فلا يمكن أن يرى نفسه منتصرًا في هذه المعركة المصيريّة إلّا بالاستعاذة التامّة بالله تعالى، واللجوء إلى حصنه الحصين الذي هو حصن التوحيد الخالص.

فعندما يرى السالك الأشياء مستقلّة عن ربّها، يكون قد احتجب عنه تعالى. وليست هذه الرؤية إلّا من تسويلات إبليس اللعين وحبائله.

شروط الاستعاذة
للاستعاذة آداب وشرائط، على المتسعيذ الالتزام والتقيّد بها فيما لو أراد أن يكون من أهل هذا المقام. ويذكر الإمام الخمينيّ قدس سره آداب الاستعاذة وشروطها، وهي:

1- الإخلاص:
"ويستفاد من الآيات القرآنيّة والأحاديث الشريفة للمعصومين عليهم السلام آداب كثيرة، وتعدادها كلّها يحتاج إلى الفحص الكامل وإطالة الكلام، ونحن نكتفي بذكر بعضها.

من مهمّات آداب الاستعاذة الخلوص كما نقل سبحانه عن الشيطان أنّه قال: ﴿فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ5.

وهذا الإخلاص، كما يظهر من الكريمة الشريفة، أعلى من الإخلاص العمليّ، سواء في العمل الجوانحيّ أم الجوارحيّ، لأنّ المخلَص جاء بصيغة المفعول، ولو كان المنظور هو الإخلاص العمليّ لكان التعبير بصيغة الفاعل.

فالمقصود من هذا الإخلاص هو خلوص الهويّة الإنسانيّة بجميع الشؤون الغيبيّة والظاهريّة، حيث الإخلاص العمليّ من رشحاته.

وهذه الحقيقة واللطيفة الإلهيّة، وإن كانت لا تحصل للعامّة في ابتداء السلوك إلّا بشدّة الرّياضات العمليّة، وخصوصًا الرّياضات القلبيّة التي هي أصلها، كما أشير إليه في الحديث المشهور: "من أخلص لله أربعين صباحًا جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه"6، فمن أخلص نفسه أربعين صباحًا لله، وأخلص أعماله القلبيّة والقالبيّة للحقّ تعالى، يصبح قلبه إلهيًّا، ولا ينفجر من القلب الإلهيّ سوى عيون الحكمة، فيكون لسانه الذي هو أكبر ترجمان للقلب ناطقًا بالحكمة.

ففي أوّل الأمر يكون إخلاص العمل موجبًا لخلوص القلب، فإذا صار القلب خالصًا، تظهر على مرآة القلب أنوار الجلال والجمال التي أودعت بالتخمير الإلهيّ في الطينة الآدميّة، وتتجلّى وتسري من باطن القلب إلى ظاهر ملك البدن"7.

ويتابع الإمام الخمينيّ قدس سره كلامه حول شرط تحقّق الإخلاص، فيقول: "وبالجملة، فإنّ ذاك الخلوص الذي يوجب الخروج من تحت السلطنة الشيطانيّة هو خلوص هويّة الرّوح وباطن القلب لله تعالى، وإلى هذا الخَلوص يشير أمير المؤمنين عليه السلام في المناجاة الشعبانيّة: "إلهي، هب لي كمال الانقطاع إليك..."8، فإذا وصل القلب إلى هذه المرتبة من الإخلاص، وانقطع بالكامل عمّا سوى الله، ولم يكن في مملكة وجوده وسرّ قلبه سوى الحقّ، فإنّ الشيطان ـ الذي يتسلّل إلى الإنسان من غير طريق الحقّ ـ لن يجد طريقًا إليه، ويقبله الحقّ تعالى في معاذه، ويقع في الحصن الحصين للألوهيّة، كما قال تعالى: "كلمة لا إله إلّا الله حصني، فمن دخل في حصني أمن من عذابي..."9 وللدخول في حصن لا إله إلّا الله مراتب، كما أنّ للأمن من العذاب أيضاً مراتب.

فمن دخل بباطنه وظاهره وقلبه وقالبه في حصن الحقّ، وصار في معاذه، فقد أمن من جميع مراتب العذاب، وأعلى مراتبها عذاب الاحتجاب عن جمال الحقّ والفراق عن وصال المحبوب جلّ وعلا. فالمولى أمير المؤمنين يقول في دعاء كميل: "فهبني صبرت على عذابك، فكيف أصبر على فراقك". ويدنا عن الوصول إليه قاصرة. فمن حصل له هذا المقام فهو عبد الله على الحقيقة، ويقع تحت قباب الربوبيّة، ويكون الحقّ تعالى متصرّفًا في مملكته، ويخرج من ولاية الطاغوت.

... وبالجملة، التخلّص بهذه المرتبة الكاملة، وإن كان لا يتحقّق لغير الكمّل من الأولياء والأصفياء عليهم السلام، بل المقام الكامل لهذه المرتبة من مختصّات النبيّ الخاتم والقلب الخالص النورانيّ الأحديّ الأحمديّ الجمعيّ المحمّديّ صلى الله عليه وآله وسلم بالأصالة، وللكمّل والخلّص من أهل بيته بالتبعيّة، ولكن لا يجوز للمؤمنين والمخلصين أيضًا أن يصرفوا النظر عن جميع مراتبه ويقنعوا بالإخلاص الصوريّ العمليّ والخلوص الظاهريّ الفقهيّ، لأنّ الوقوف في المنازل من الأعمال العبقريّة لإبليس، الذي قعد على صراط الإنسان والإنسانيّة، لمنعه بأيّ وسيلة ممكنة من العروج إلى الكمالات والوصول إلى المدارج. فلا بدّ من علوّ الهمّة وتقوية الإرادة، فلعلّ هذا النور الإلهيّ واللطيفة الربّانيّة تسري من الصورة إلى الباطن، ومن الملك إلى الملكوت.

والإنسان إذا نال أيّ مرتبة من الإخلاص يكون بمقدارها في لواذ الحقّ، وتتحقّق الاستعاذة، وتقصر يد تصرّف العفريت الخبيث والشيطان عنه"10.

فمن أخلص أعماله لله، انفتحت عليه أبواب معرفة الباطن، فيشهد حينها ما في النفس من جهات، ويعلم أنّه من دون تخليص الذات لا يمكن أن يأمن من غواية إبليس اللعين. ومن المهمّ في طريق الإخلاص الالتفات إلى أمرين في غاية الأهمّيّة، هما بمثابة علامات الإخلاص الحقيقيّ في النفس، وهما:

أ- عدم إنكار المقامات:
ولأن البعض يسرع إلى إنكار هذا الكلام لأسباب شتّى، يحذّر الإمام الخمينيّ قدس سره من نتائج هذا الانكار، ويقول:
"وهذا المقام (الخلوص الذاتيّ) من أعزّ مقامات الأولياء وأخصّ مدارج الأصفياء، وليس لسائر الناس منه حظّ، بل لعلّ القلوب القاسية للجاحدين والنفوس الصلبة للمجادلين البعيدة عن هذه المرحلة بمراحل تنكر هذه المقامات، ويحسبون الكلام في أطرافها باطلًا، بل ينسبون ـ والعياذ بالله ـ هذه الأمور، التي هي قرّة عين الأولياء والكتاب والسنّة مشحونة بها، إلى اختراعات الصوفيّة وأراجيف الحشويّة.

ونحن أيضًا، إن ذكرنا هذه المقامات التي هي في الحقيقة مقام الكمّل، فليس من جهة أنّ لنا فيها حظًّا أو أنّنا نمدّ اليها عين الطمع، بل من جهة أنّنا لا نجوّز إنكار المقامات، ونرى ذكر الأولياء ومقاماتهم دخيلًا في تصفية القلوب وتخليصها وتعميرها، لأنّ ذكر خير أصحاب الولاية والمعرفة يوجب المحبّة والتواصل والتناسب، وهذا التناسب يوجب التجاذب، وهذا التجاذب يؤدّي إلى التشافع الذي ظاهره الإخراج من ظلمات الجهل إلى أنوار الهداية والعلم، وباطنه الظهور بالشفاعة في عالم الآخرة، لأنّ شفاعة الشافعين لا تكون من دون تناسب وتجاذب باطنيّ، ولا تكون من الجزاف والباطل"11.

ب- التوجه التام نحو التوحيد:
"وفي هذا المقام، بل جميع المقامات، إنّ من مهمّات السلوك وأركان العروج التوجّه التامّ إلى التوحيد الحقّ الفعليّ، وتذكير القلب بهذه اللطيفة الإلهيّة والمائدة السماويّة، وإذاقة القلب حقيقة مالكيّة الحقّ تعالى للسماوات والأرض والباطن والظاهر والملك والملكوت حتى يرتاض القلب بالتوحيد في الألوهيّة ونفي الشريك في التصرّف ويخمّر بالتخمير الإلهيّ ويربّى بالتربية التوحيديّة، فلا يرى القلب ولا يعلم في هذه الحالة مفزعًا ولا ملجأً ولا ملاذاً ولا معينًا سوى الحقّ، ويستعيذ بالحقّ ومقام الألوهيّة المقدّس بالطوع والحقيقة، وما لم يمنع القلب عن تصرّف سائر الخلق ولم يغمض عين الطّمع عن الموجودات لا يلوذ بالله على الحقيقة، وتكون دعواه كاذبة، وينسلك بحسب مسلك أهل المعرفة في زمرة المنافقين ويُنسب إلى الخدعة والخديعة"12.

وإنّ أفضل طرق تحصيل المعرفة بالتوحيد بكلّ مراتبه، هي دراسته وتعلّمه عند حكيم ربّانيّ أو عارف نورانيّ، ورث علمه من أئمّة الطهر والعصمة الذين لهم المعرفة الكاملة.

ولا يخفى كم لهذه المعرفة من أثر طيّب ولذيذ في النفس، ولهذا قد تصبح المعرفة هنا هدفاً نهائيًّا فتصير حجابًا. وما يمكن أن ينقذ السالك هو أن يعلم أنّ المعارف مهما ارتقت وسمت فإنّما هي من أجل تحقيق العبوديّة وأداء التكليف الإلهيّ، يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "وفي هذا الوادي المهيب والبحر العميق المهول، فإنّ استفادة التوحيدات الثلاثة13 استفادة علميّة من نفخة حكيم ربّانيّ أو عارف نورانيّ يتّصل علمه بالأولياء الكاملين يعين باطن القلب إعانة لائقة، ولكن شرط هذه الاستفادة أن يشتغل بها بنظر الآية والعلامة والسير والسلوك إلى الله، وإلّا كان نفسه شوكة الطريق وحجاب رؤية جمال المحبوب... كما وصف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا العلم في حديث الكافي الشريف بـ: "آية محكمة""14.

ج- طلب الحقّ تعالى والسير إليه:
ولتعميق مبدأ الإخلاص، يؤكّد الإمام قدس سره على ضرورة توجيه النفس نحو أمر واحد يظهر في نمط الحياة التي سينتهجها الإنسان. وهذا النمط هو الذي يعبّر عنه بالسير والسلوك إلى الله، فيقول الإمام قدس سره: "ولا يحصل الخلاص من تصرّف الشيطان الذي هو مقدمة للإخلاص بحقيقته إلّا أن يكون السالك في سلوكه طالباً لله"15.

"وبالجملة، فالإنسان قبل شروعه في السلوك والسير إلى الله لا يكون مستعيذا..."16.

"فالإنسان ما دام مقيمًا في بيت النفس والطبيعة ولم يشتغل بالسفر الروحاني والسلوك إلى الله، فهو تحت السلطنة الشيطانيّة بجميع شؤونها ومراتبها، ولم يتلبّس بحقيقة الاستعاذة. ولقلقة لسانه تكون بلا فائدة، بل هي تثبيت وتحكيم للسلطنة الشيطانيّة إلّا بالتفضّل والعناية الإلهيّة"17.

هـ. التخلّص من الأنانيّة:
وهكذا يجد السالك الطالب للحقّ أنّ أنانيّته هي التي ستقف أكبر عائق أمام سيره، وهي التي تستجلب كلّ وساوس الشيطان وغواياته، لهذا يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "... ويضع حبّ النفس وعبادتها، الذي هو منشأ المفاسد كلّها وأمُّ الأمراض الباطنيّة تحت قدميه. وهذا لا يتيسّر بتمام معناه في غير الإنسان الكامل وبتبعه في خُلَّص أوليائه عليهم السلام، وأما سائر الناس فغير ميسّر لهم هذا الخلاص. ولكن على السالك ألّا ييأس من الألطاف الباطنيّة لله سبحانه، فإنّ اليأس من روح الله رأس كلّ برودة وفتور، ومن أعظم الكبائر. وما هو ممكن من الإخلاص لصنف الرعايا هو أيضاً قرّة العين لأهل المعرفة"18.

2- الإيمان:
أمّا الشرط الثاني فهو عبارة عن ترسيخ الحقائق الكونيّة في القلب، وهو الإيمان، لهذا يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "ومن الآداب والشرائط للاستعاذة التي أشير إليها في الآية الشريفة التي ذكرناها في أوّل الفصل هو الإيمان، وهو غير العلم، حتى العلم الذي حصل بالبرهان الحكميّ (قَدَم الاستدلاليّين خشبيّة).

الإيمان حظّ القلب الذي يحصل من شدّة التذكّر والتفكّر والأنس والخلوة مع الحقّ. فإنّ الشيطان، مع أنّ له العلم بالمبدأ والمعاد بنصّ القرآن، محسوب في زمرة الكفّار، فلو كان الإيمان عبارة عن هذا العلم البرهانيّ يلزم أن يكون الواجدون لهذا العلم بعيدين
عن تصرّف الشيطان ويتلألأ فيهم نور هداية القرآن، مع أنّنا نرى أنّ هذه الآثار لا تحصل بالإيمان البرهانيّ.

فإن أردنا أن نخرج من تصرّف الشيطان ونقع تحت عوذة الحقّ لا بدّ وأن نوصل الحقائق الإيمانيّة إلى القلب بالارتياض القلبيّ الشديد ودوام التوجّه أو كثرته وشدّة المراودة والخلوة حتى يصبح القلب إلهيًّا، فإذا صار القلب إلهيًّا يخلو من تصرّف الشيطان، كما قال الله تعالى: ﴿اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ19.

فالمؤمنون الذين يتصرّف الحقّ تعالى ويتولّى ظاهرهم وباطنهم وسرّهم وعلانيّتهم خالصون من تصرّفات الشيطان، وداخلون في سلطان الرحمان، ويخرجهم من جميع مراتب الظلمات إلى النور المطلق فينتقلون من: ظلمة المعصية والطغيان، ومن ظلمة كدورات الأخلاق الرذيلة، وظلمة الجهل والكفر والشرك، ورؤية النفس وحبّ النفس والعجب، إلى نور الطاعة والعبادة، وأنوار الأخلاق الفاضلة، ونور العلم وكمال الإيمان والتوحيد ورؤية الله وطلب الله وحبّ الله"20.

3- التوكّل:
ويتشعّب من الإيمان، أو يظهر منه في الحياة حالة نفسيّة قلبيّة يعبّر فيها صاحبها عن نوع من الثقة بالنتائج والعاقبة طالما أنّه يقوم بما عليه تجاه ربّه. ومثل هذه الحالة سيكون لها أكبر الأثر في الاستعاذة، لأنّ جلّ عمل الشيطان يكمن في بثّ القلق وتصوير الحياة في البؤس والحرمان، لهذا يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "كما أنّ من آداب الاستعاذة التوكّل، وهو أيضًا من شعب الإيمان ومن الأنوار الحقيقيّة للّطيفة الإيمانيّة، وهو تفويض الأمور إلى الحقّ الذي يحصل من إيمان القلب بالتوحيد الفعليّ، وتفصيله خارج عن نطاق هذه الأوراق.

فإذا لم يرَ العبد السالك مفزعًا وملاذاً غير الحقّ تعالى، وعلم أنّ التصرّف في الأمور منحصر بالذات المقدّسة، تحصل في القلب حالة الانقطاع والالتجاء والتوكّل، وتصير استعاذته حقيقيّة، فإذا لجأ بالحقيقة إلى حصن الربوبيّة والألوهيّة الحصين، يجعله لا محالة في كنف فضله الواسع ورحمته الكريمة، إنّه ذو فضل عظيم"21.
 

* الآداب المعنوية للصلاة في ضوء فكر الإمام الخميني(قده)



1- من الاستغراق في بحر جمال الله وجلاله.
2- من منع الإنسان من الاستغراق في بحر جمال الله وجلاله.
3- فالحقائق السماويّة والأرضيّة إذا كانت مانعة من الاستغراق في بحر الجمال الجلال الإلهيّ تصبح مذمومة.
4- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص240.
5- سورة ص، الآيتان 82 - 83.
6- راجع: العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج67، ص242.
7- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص230 - 231.
8- راجع: العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج91، ص99.
9- الإربلي، علي بن عيسى‏، كشف الغمة في معرفة الأئمة، تحقيق وتصحيح هاشم رسولي محلاتي، تبريز، نشر بني هاشمي‏، 1423 هـ، ط 1، ج 2، ص 308.
10- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص231 - 233.
11- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 232.
12- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص233 - 234.
13- التوحيد الأفعاليّ، والصفاتيّ، والذاتيّ.
14- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص234.
15- م.ن، ص 35.
16- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 238.
17- م.ن، ص 237.
18- م.ن، ص35.
19- سورة البقرة، الآية 257.
20- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص235.
21- م.ن، ص235 - 236.

| 10787 قراءة

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد