بالرغم من أن فائدة الصلاة لا تخفى على أحد، لكن التدقيق في متون الروايات الإسلامية يدلنا على لطائف ودقائق أكثر في هذا المجال!.
1 - إن روح الصلاة وأساسها وهدفها ومقدمتها ونتيجتها ... وأخيراً حكمتها وفلسفتها، هي ذكر الله، كما بينت في الآية على أنها أكبر النتائج. وبالطبع فإن الذكر المراد هنا، هو الذكر الذي يكون مقدّمة للفكر، والفكر الذي يكون باعثاً على العمل، كما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير جملة (ولذكر الله أكبر) قال: "ذكر الله عندما أحلّ وحرّم" أي على أن يتذكر الله فيتّبع الحلال ويغضي أجفانه عن الحرام " [بحار الأنوار، ج 82، ص 200 ].
2 - إن الصلاة وسيلة لغسل الذنوب والتطهر منها، وذريعة إلى مغفرة الله، لأن الصلاة - كيف ما كانت - تدعو الإنسان إلى التوبة وإصلاح الماضي، ولذلك فإننا نقرأ في حديث عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) إذ سأل بعض أصحابه: "لو كان على باب دار أحدكم نهر واغتسل في كل يوم منه خمس مرات أكان يبقي في جسده من الدرن شيء؟! قلت لا، قال: فإن مثل الصلاة كمثل النهر الجاري كلما صلى كفرت ما بينهما من الذنوب"[وسائل الشيعة، ج3، ص 7 (الباب الثاني من أبواب أعداد الفرائض الحديث 3].
وعلى هذا فإن الجراح التي تخلفها الذنوب في روح الإنسان، وتكون غشاوة على قلبه، تلتئم بضماد الصلاة وينجلي بها صدأ القلوب!
3 - إن الصلوات سد أمام الذنوب المقبلة، لأن الصلاة تقوي روح الإيمان في الإنسان، وتربي شجيرة التقوى في قلب الإنسان، ونحن نعرف أن الإيمان والتقوى هما أقوى سد أمام الذنوب، وهذا هو ما تبيّنه الآية (45) من سورة العنكبوت: (اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون) تحت عنوان "النهي عن الفحشاء والمنكر"، وما نقرؤه في أحاديث متعددة من أن أفرادا كانوا مذنبين، فذكر حالهم لأئمة الإسلام فقالوا: لا تكترثوا فإن الصلاة تصلح شأنهم ... وقد أصلحتهم .
4 - إن الصلاة توقظ الإنسان من الغفلة، وأعظم مصيبة على السائرين في طريق الحق أن ينسوا الهدف من إيجادهم وخلقهم، ويغرقوا في الحياة المادية ولذائذها العابرة! إلاّ أنّ الصلاة بما أنها تؤدى في أوقات مختلفة، وفي كل يوم وليلة خمس مرات، فإنها تخطر الإنسان وتنذره، وتبين له الهدف من خلقه، وتنبهه إلى مكانته وموقعه في العالم بشكل رتيب، وهذه نعمة كبرى للإنسان بحيث أنها في كل يوم وليلة تحثه وتقول له: كن يقظاً.
5 - إن الصلاة تحطم الأنانية والكبر، لأن الإنسان في كل يوم وليلة يصلي سبع عشرة ركعة، وفي كل ركعة يضع جبهته على التراب تواضعا لله، ويرى نفسه ذرة صغيرة أمام عظمة الخالق، بل يرى نفسه صفراً بالنسبة إلى ما لا نهاية له!.
ولأمير المؤمنين علي (عليه السلام) كلام معروف تتجسّد فيه، فلسفة العبادات الإسلامية بعد الإيمان بالله، فبين أول العبادات وهي الصلاة مقرونة بهذا الهدف إذ قال: "فرض الله الإيمان تطهيراً من الشرك، والصلاة تنزيهاً عن الكبر"[نهج البلاغة، الكلمات القصار 252].
6 - الصلاة وسيلة لتربية الفضائل الخلقية والتكامل المعنوي للإنسان، لأنها تخرج الإنسان عن العالم المحدود وتدعوه إلى ملكوت السماوات، وتجعله مشاركاً للملائكة بصوته ودعائه وابتهاله، فيرى نفسه غير محتاج إلى واسطة إلى الله أو أن هناك " حاجبا " يمنعه ... فيتحدث مع ربه ويناجيه!. إن تكرار هذا العمل في اليوم والليلة - وبالاعتماد على صفات الله الرحمن الرحيم العظيم، خاصة بالاستعانة بسور القرآن المختلفة بعد سورة الحمد التي هي خير محفز للصالحات، والطهارة - له الأثر في تربية الفضائل الخلقية في وجود الإنسان! لذلك نقرأ في تعبير الإمام علي أمير المؤمنين (عليه السلام) عن حكمتها قوله: "الصلاة قربان كل تقي"[نهج البلاغة، الكلمات القصار، الجملة 136].
7 - إن الصلاة تعطي القيمة والروح لسائر أعمال الإنسان، لأن الصلاة توقظ في الإنسان روح الإخلاص ... فهي مجموعة من النية الخالصة والكلام الطاهر "الطيب" والأعمال الخالصة ... وتكرار هذه المجموعة في اليوم والليلة ينثر في روح الإنسان بذور سائر الأعمال الصالحة ويقوي فيه روح الإخلاص. لذلك فإننا نقرأ في بعض ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في ضمن وصاياه المعروفة بعد أن ضربه ابن ملجم بالسيف ففلق هامته، أنه قال: " الله الله في صلاتكم فإنها عمود دينكم" [نهج البلاغة، ومن كتاب له "وصية له" 47].
ونعرف أن عمود الخيمة إذا انكسر أو هوى، فلا أثر للأوتاد والطنب مهما كانت محكمة ... فكذلك ارتباط عباد الله به عن طريق الصلاة، فلو ذهبت لم يبق لأي عمل آخر أثر. ونقرأ عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: "أول ما يحاسب به العبد الصلاة، فإن قبلت قبل سائر عمله، وإن ردت رد سائر عمله". ولعل الدليل على هذا الحديث هو أن الصلاة رمز للعلاقة وارتباط بين الخالق والمخلوق ! فإذا ما أديت بشكل صحيح، وكان فيها قصد القربة والإخلاص "حياً" كان وسيلة القبول لسائر الأعمال، وإلا فإن بقية أعماله تكون مشوبة وملوثة وساقطة من درجة الاعتبار.
8 - إن الصلاة - بقطع النظر - عن محتواها، ومع الالتفات إلى شرائط صحتها، فإنها تدعوا إلى تطهير الحياة ! لأننا نعلم أن مكان المصلي، ولباس المصلي، وبساطه الذي يصلي عليه، والماء الذي يتوضأ به أو يغتسل منه، والمكان الذي يتطهر فيه " وضوء أو غسلاً " ينبغي أن يكون طاهراً من كل أنواع الغصب والتجاوز على حقوق الآخرين. فإن من كان ملوثا بالظلم والغصب والبخس في الميزان والبيع وآكلا للرشوة ويكتسب أمواله من الحرام ... كيف يمكن له أن يهئ مقدمات الصلاة!؟ فعلى هذا فإن تكرار الصلاة خمس مرات في اليوم والليلة - هو نفسه - دعوة إلى رعاية حقوق الآخرين!
9 - إن للصلاة - بالإضافة إلى شرائط صحتها - شرائط لقبولها، أو بتعبير آخر: شرائط لكمالها، ورعايتها - أيضا - عامل مؤثر ومهم لترك كثير من الذنوب!. وقد ورد في كتب الفقه ومصادر الحديث روايات كثيرة تحت عنوان موانع قبول الصلاة، ومنها "شرب الخمر" إذ جاء في بعض الروايات: لا تقبل صلاة شارب الخمر أربعين يوما إلا أن يتوب [بحار الأنوار، ج 84، ص 317 و 320].
كما صرح في بعض الروايات بأن الصلاة لا تقبل من " مانع الزكاة " . كما أن هناك بعض الروايات تقول :" إن الصلاة لا تقبل ممن يأكل السحت والحرام، ولا ممن يأخذه العجب والغرور " وهكذا تتضح الحكمة والفائدة الكبيرة من وجود هذه الشروط .
10 - إن الصلاة تقوي في الإنسان روح الانضباط والالتزام، لأنها ينبغي أن تؤدى في أوقات معينة، لأن تأخيرها عن وقتها أو تقديمها عليه موجب لبطلانها . وكذلك الآداب والأحكام الأخرى في موارد النية والقيام والركوع والسجود وما شابهها، إذ أن رعايتها تجعل الاستجابة للالتزام في مناهج الحياة ممكناً وسهلاً. كل هذه من فوائد الصلاة - بغض النظر عن صلاة الجماعة - وإذا أضفنا إليها خصوصية الجماعة، حيث أن روح الصلاة هي الجماعة، ففيها بركات لا تحصى ولا تعد، ولا مجال هنا لشرحها وبيانها، مضافاً إلى أن الجميع يدرك خيراتها وفوائدها على الإجمال .
ونختم كلامنا في مجال حكمة الصلاة وفلسفتها وأسرارها بحديث جامع منقول عن الإمام الرضا (عليه السلام) إذ سئل عنها فأجاب بما يلي:
"إن علة الصلاة أنها إقرار بالربوبية لله عز وجل، وخلع الأنداد، وقيام بين يدي الجبار جل جلاله بالذل والمسكنة والخضوع والاعتراف، والطلب للإقالة من سالف الذنوب، ووضع الوجه على الأرض كل يوم إعظاماً لله عز وجل، وأن يكون ذاكرا غير ناس ولا بطر، ويكون خاشعا متذللا، راغبا طالبا للزيادة في الدين والدنيا مع ما فيه من الإيجاب والمداومة على ذكر الله عز وجل بالليل والنهار، لئلا ينسى العبد سيده ومديره وخالقه فيبطر ويطغى، ويكون في ذكره لربه وقيامه بين يديه زاجرا له عن المعاصي ومانعا له عن أنواع الفساد".[وسائل الشيعة، ج 3، ص 4].