الصلاة والقرآن
إذا عدنا إلى كتاب الله تعالى، نجد أنّ المولى تعالى يطرح الصلاة إلى جانب القرآن فيقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾[1]، ويقول عزّ وجلّ في آية أخرى: ﴿وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ﴾[2]، وقد عبّر الله سبحانه عن الكتاب بأنّه ذكر وذلك في قوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾[3]، كما عبّر عن الصلاة بقوله: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾[4]. وليس هذا فحسب بل ورد في تفسير قوله تعالى: ﴿إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودً﴾[5]، أنّ المراد من قرآن الفجر هو صلاة الصبح. ومن مؤشّرات العلاقة المتينة بين الصلاة والقرآن أنّ جزءًا مهمًّا من أجزاء الصلاة هو القراءة أي قراءة سورة الفاتحة وسورة أخرى معها. وأخيرًا ذُكِرت الصلاة في أطول سور القرآن (سورة البقرة) وفي أقصر سورة من سوره (الكوثر).
الصلاة وقانون العقوبات
لم يُشرَّع القصاص في الدِّين الإسلامي فقط، بل جاء في جميع الأديان، فجزاء من قطع أذنًا، أن تُقطع أذنه، وجزاء من كسر سنًّا أن تُكسر سنّه، ذلك من أجل إقامة العدالة في الأرض. وجاء في القصاص أنّ السارق تُقطع يده، ولكن تُقطع الأصابع دون الكفّ حفاظًا على عضوٍ من أعضاء الصلاة، وقد استند الإمام عليه السلام إلى قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ﴾[6]، لتبرير العفو عن الكفّ وقطع الأصابع في حدّ السرقة.
العبادة والولاية
تكون العبادة ذات قيمة عندما لا تكون سطحية، وعندما تكون مقرونةً بالعلم وبمعرفة القائد الإلهيّ، أي مقرونة بالولاية والولاء الصحيح، وعندما يرافقها الخشوع والآداب الخاصة بها. إذا عدنا إلى التاريخ نجد أنّ أمير المؤمنين عليّ عليه السلام قد ابتُلِي بجماعة من المصلّين المتحجّرين الجاهلين، عُرفوا في التاريخ باسم (المارقين والخوارج)، وكانت جباه هؤلاء سوداء من أثر السجود وطوله، لكنّهم خرجوا على إمام زمانهم الإمام عليّ عليه السلام، وسلّوا سيوفهم في وجهه وحاربوه. ومن المؤسف أن تتكرّر هذه الظاهرة مع الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، فقد ورد في الأخبار التي تتحدّث عن آخر الزمان، أنّ جماعة من ملازمي المساجد يخرجون في وجهه ويعارضونه.
ولا تظنّوا أنّ الذين اجتمعوا في كربلاء لقتال الإمام الحسين عليه السلام كانوا جميعًا من تاركي الصلاة، كلّا، كانوا من المصلّين، وبعضهم كان لا يترك صلاة الجماعة، ولكنّ معاوية ويزيد وأمثالهم كانوا أئمّة جماعتهم!
نعم، إنّ العبادة مع الجهل تكون نتيجتها قتل أعبد الناس وهو ساجد في محرابه، ليس هذا فحسب، بل عدّ قتل أمير المؤمنين عليه السلام وهو يصلّي في المسجد عبادة، وبقصد التقرّب إلى الله تعالى.
يجب أن تترافق جميع العبادات مع المعرفة، معرفة القائد الحقّ وطاعته، وهذا الأمر لا ينطبق على الصلاة فحسب، بل جاء في الأحاديث أنّ الله تعالى قد أوجب الحجّ على الناس ليجتمع الناس حول الكعبة في مكّة، فيجتمعون مع إمامهم المعصوم ويرتبطون به: "إنّما أُمِر الناس أن يأتوا هذه الأحجار فيتطوفوا بها ثم يأتوننا فيخبرونا بولايتهم، ويعرضون علينا نصرتهم"[7]، و "ولتُعرف آثار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتُعرف أخباره ويُذكر ولا يُنسى"[8]، لكن ما يجري اليوم أنّ الملايين تطوف حول الكعبة وتجتمع في مكّة، لكنّها متفرّقة مشتّتة، لأنّه ليس لها إمامٌ وقائدٌ إلهيٌّ، يقودها نحو الله وباتّجاهه. فالأمّة في هذا العصر تتوفّر على إمكانيّات اقتصاديّة هائلة ولكنّها تذهب هدرًا وتجد الأمّة نفسها عاجزةً أمام عدد قليلٍ جدًّا شكّلوا دولة أسموها إسرائيل.
إنّ الإسلام مجموعة متكاملة وكلٌّ لا يتجزّأ، فالصلاة من دون ولاية لا تُقبل، والصلاة من دون دفع الزكاة لا تُقبل أيضًا، كما أنّ الإنفاق من غير صلاة لا يُقبل. إن أوامر الإسلام وأحكامه مثل أعضاء البدن الواحد، فلا يقوم عضو بوظيفة عضو آخر، ولا يأخذ عضو مكان عضو آخر، فلا العين تقوم بعمل الأذن، ولا الأذن تقوم بوظيفة الرجل أو اليد. كذلك الإسلام، الصلاة لا تقوم مقام الزكاة، فكما أنّ هذين العملين لا يمكن لأيّ منهما أن يحلّ محلّ الجهاد في سبيل الله تعالى، بل إنّ جميع هذه المسائل والأحكام هي الإسلام، فالإسلام يتشكَّل من هذا الكلّ.
[1] سورة فاطر: الآية 29.
[2] سورة الأعراف: الآية 170.
[3] سورة الحجر: الآية 9.
[4] سورة طه: الآية 14.
[5] سورة الإسراء: الآية 78.
[6] سورة الجن: الآية 18.
[7] الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 2، ص 262.
[8] وسائل الشيعة، ج 8، ص 9.