مواقيت الصلاة
الفجر : 05:28
الشروق : 06:41
الظهر : 12:24
العصر : 15:38
المغرب : 18:24
العشاء : 19:15
منتصف الليل : 23:43
الإمساك : 05:20
X
X
الاعلان

الخشوع

الخشوع

 الخشوع

تمهيد
يعبّر الخشوع في العبادة عن حالة التّوجّه القلبيّ السّليم. فعندما يتوجّه القلب إلى الله على أساس المعرفة، فإنّ آيات الجمال والجلال ستتراءى له، ويحصل من جرّاء هذه التجلّيات حالة نفسيّة قلبيّة هي الخشوع.

وعليه، يكون الخشوع علامة مؤكّدة على السّير الصّحيح في مراتب السّلوك.

إنّ أفضل عبادة معينة على كشف هذا الأمر وتحقيقه هي الصّلاة، "التي هي رأس العبادات، ولها مقام الجامعيّة"1، كما يُعبّر الإمام الخمينيّ قدس سره، ويعني هذا الكلام أنّ الصّلاة هي أفضل وأعظم محلّ للتجلّيات الرّبوبيّة، سواء كانت تجلّيات عظمة الجمال أو هيبة الجلال.

ولهذا، نجد في الأولياء من له قلب يعيش حالة الفرح والانبساط في العبادة، نتيجة تجلّي مظاهر الجمال وآياته عليها، وقلبًا يعيش حالة الخوف والانقباض نتيجة تجلّي مظاهر الجلال وآياته.

هذا حال القلوب الصافية التي تنعكس فيها تجلّيات الحقّ المتعال، وتتفاعل معها بيسر وسهولة، فما هو حال قلوبنا؟ وكيف يمكن لنا أن نتفاعل مع مظاهر الحقّ المتعال؟

ما هو الخشوع؟
يقول الإمام قدس سره في معنى الخشوع وحقيقته: "إنّه الخضوع التامّ الممزوج بالحبّ أو الخوف، وهو يحصل من إدراك عظمة الجلال والجمال وسطوتهما وهيبتهما"2.

فالخضوع هو أوّل آثار الخشوع في الجوارح، والإدراك هو منشأ الخشوع، لهذا نسمع قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء3.

أنواع الخشوع
هناك نوعان من الخشوع، الأوّل يحصل من إدراك عظمة الجمال، والثّاني يحصل من إدراك عظمة الجلال. ولا يخفى أنّ الجمال شامل لكلّ مظاهر الرّحمة والغفّاريّة والعطوفة والودّ وأمثالها. وأنّ الجلال شامل للقاهريّة والنّقمة والشدّة. والمقصود بالإدراك هو ما يسبق إلى القلب من معاني التجلّي الإلهيّ، أو ما تفسّره القلوب من تجلّيات الحقّ تعالى في العوالم.

فالله تعالى يتجلّى بجميع أسماء الجمال والجلال، لكنّ القلوب تختلف بحسب الجبلّة والفطرة، فيختلف تلقّيها وتفاعلها مع هذه التجلّيات، يقول الإمام الخمينيّ قدس سره:

"وتفصيل هذا الإجمال هو أنّ قلوب أهل السلوك بحسب الجِبِلّة والفطرة متنوّعة:
فبعضٌ منها عشقيٌّ ومن مظاهر الجمال، وتتوجّه إلى جمال المحبوب بحسب الفطرة. فهؤلاء، إذا أدركوا في سلوكهم ظلّ الجميل، أو شاهدوا أصل الجمال، تمحوهم العظمة المختفية في سرّ الجمال، فتصعقهم، لأنّ في كلّ جمال جلالًا مختفيًا، وفي كلّ جلال جمالًا مستورًا. ولعلّه إلى ذلك أشار مولى العارفين وأمير المؤمنين والسالكين عليه السلام، حيث قال: "سبحان من اتّسعت رحمته لأوليائه في شدّة نقمته، واشتدّت نقمته لأعدائه في سعة رحمته"4، فتغشاهم هيبة الجمال وعظمته، ويأخذهم الخشوع حيال جمال المحبوب. وهذه الحالة، في أوائل الأمر، توجب تزلزل القلب والاضطراب، وبعد التمكين تحصل للسالك حالة الأنس، وتتبدّل حالة الوحشة والاضطراب المتولّدة من العظمة والسطوة إلى الأنس والسكينة، وتحصل له حالة الطمأنينة، كما كانت حالة قلب خليل الرحمن.

وبعض القلوب خوفيٌّ ومن مظاهر الجلال، وهي تدرك على الدوام العظمة والكبرياء والجلال، وخشوعها يكون من الخوف، ومن تجلّي الأسماء القهريّة والجلاليّة عليها، كما كان حال يَحيى، على نبيّنا وآله وعليه السلام. فالخشوع يكون ممزوجًا تارةً بالحبّ وأخرى بالخوف والوحشة، وان كان في كلّ حبّ وحشة، وفي كلّ خوف حبّ"5.

وليس المقصود بالفطرة هنا أصلها، لأنّ أصلها واحد عند الجميع. لكنّ تنزّل هذه الفطرة في النفوس يخضع لطبيعة تكوّن النفس، وعلى هذا الأساس تنقسم القلوب بحسب الفطرة إلى جماليّة وجلاليّة.

مراتب الخشوع
يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "ومراتب الخشوع تكون بحسب مراتب إدراك العظمة والجلال والحسن والجمال، وحيث إنّ أمثالنا على هذه الحال من الحرمان من نور المشاهدات، فلا بدّ أن نكون بصدد تحصيل الخشوع عن طريق العلم أو الإيمان"6.

ويُعلم من هذا الكلام أنّ الخشوع مراتب ودرجات بحسب إدراك التجلّيات والتفاعل معها، فلأنّ للقلوب مدخليّة أساسيّة في الإدراك والتفاعل، ولأنّ قلوب العباد تختلف بحسب السعة والتوجّه، فإنّ تفاعلهم مع التجلّيات الإلهية يكون مختلفًا جدًّا. والكثير من القلوب لا تفقه ولا تعقل، لقوله تعالى ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَ7. والحرمان من نور العقل يحرم القلب من إدراك هذه التجلّيات.

ولا شكّ بأنّ لكلّ إنسان دورًا محوريًّا في تشكيل قلبه من حيث الصفاء والتوجّه والسّعة والتقبّل. حتّى لو كان قد ورث قلبًا ضيّقًا مكدّرًا مظلمًا.

فأعمال الإنسان الاختياريّة هي التي تشكّل قلبه في نهاية المطاف. وإذا كان "الْقَلْبُ مُصْحَفُ‏ الْبَصَر"8، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام - فهذا يعني أنّ كلّ ما ينظر إليه الإنسان سوف ينعكس بصورة نقوش وكتابات في قلبه، وهذا الأمر ينطبق على كلّ ما يَردِ عن طريق الحواس.

الخشوع من علائم الإيمان
علمنا أنّ الخشوع القلبيّ ينشأ من حالة الإدراك العميق لتجلّيات الحقّ تعالى. وعليه، فإذا أدركنا السبب في عدم تحقّق الخشوع لم يعد للسؤال المطروح من محلّ.

يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "قال الله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ9، فجعل الخشوع في الصلاة من حدود الإيمان وعلائمه. فمن لم يكن خاشعًا في الصلاة فهو خارج زمرة أهل الإيمان، طبقًا لما قاله ذات الحقّ المقدّس تعالى شأنه، قال الإمام الصادق عليه السلام: "إذا دخلت في صلاتك فعليك بالتخشّع والإقبال على صلاتك"، فإنّ الله تعالى يقول: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ10. وبما أنّ صلواتنا ليست مشفوعة بالخشوع، فإنّ ذلك ناجم إمّا عن نقص الإيمان أو فقدانه"11.

ما الفرق بين العلم والإيمان؟
ولأنّه قد يشتبه الأمر على بعضهم فيظنّ أنّ العلم هو الإيمان، ويعجز عن تفسير سبب عدم الخشوع، كان لا بدّ من التمييز بينهما. فالعلم قبل مرحلة الإيمان يصعب أن يكون منشأً للأثر، ولهذا لا يخشع المرء بمجرّد أن يعلم.

يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "ولأنّ الاعتقاد والعلم مغايران للإيمان، فالعلم بالله وأسمائه وصفاته وسائر المعارف الإلهيّة الظاهرة منها، مغاير للإيمان، وليس بإيمان. والدليل على ذلك أنّ الشيطان، كما شهد له الحقّ المقدّس، عالمٌ بالمبدأ والمعاد، ومع ذلك فهو كافر، لأنّه يقول: ﴿خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ12، فهو إذًا يعترف بالحقّ تعالى وخالقيّته، ويقول أيضاً: ﴿فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ13 ويعتقد بالمعاد، وهو أيضًا عالم بالكتب والرسل والملائكة، ومع ذلك كلّه فقد خاطبه الله سبحانه بلفظ الكافر، وأخرجه من زمرة المؤمنين. فإذًا، يمتاز أهل العلم عن أهل الإيمان، وليس كلّ من هو من أهل العلم هو أهلٌ للإيمان"14.

كيف نوصل العلم إلى القلب؟
قد تبيّن ممّا سبق أنّ الإيمان يأتي بعد العلم وينشأ منه بشرط عدم الاستغراق فيه. وإذا كان العلم يحصل من خلال توجّه القلب إلى القضايا، فإنّ الإيمان يحصل من خلال إمعان التوجّه القلبيّ إلى الحقائق مع العمل بمقتضاها. وللإمام الخمينيّ الكثير من الكلمات والنصوص التي يتحدّث فيها عن الفارق بين العلم والإيمان، وكيفيّة إيصال العلم إلى القلب وتثبيته فيه، وممّا قاله قدس سره: "فيلزم للسالك أن يدخل نفسه في سلك المؤمنين بعد سلوكه العلميّ، ويوصل إلى قلبه عظمة الحقّ وجلاله وبهائه وجماله - جلّت عظمته - كي يخشع قلبه، فمجرّد العلم لا يوجب خشوعًا، كما ترون في أنفسكم، فمع كونكم معتقدين بالمبدأ والمعاد، ومع اعتقادكم بعظمة الله وجلاله، ليست قلوبكم خاشعة"15.

وبالمداومة على الذكر والتوجّه القلبيّ يبدأ الخشوع بالدخول شيئًا فشيئًا إلى القلب.

يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "إذا علم الإنسان بالبرهان أو ببيان الأنبياء عليهم السلام عظمة الله وجماله وجلاله، فلا بدّ أنّ يذكِّر القلب بها حتى يدخل الخشوع شيئاً فشيئاً إلى القلب بواسطة التذكُّر والتوجّه القلبيّ والمداومة على ذكر عظمة الله وجلاله، وتحصل النتيجة المطلوبة"16.

ويضيف الإمام قدس سره: "وبالجملة، على سالك طريق الآخرة ـ وخصوصًا من يسلك بقَدم المعراج الصلاتيّ ـ أن يجعل قلبه خاشعًا بنور العلم والإيمان، وأن يثبّت هذه الرقيقة الإلهيّة والبارقة الرحمانيّة في قلبه بمقدار ما يمكنه، فلعلّه يستطيع أن يحافظ على هذه الحالة في كلّ الصلاة. وإنّ حالة التمكّن والاستقرار، وإن كانت لا تخلو في أوّل الأمر من صعوبة وإشكال لأمثالنا، ولكنّها مع الممارسة والارتياض القلبيّ أمرٌ ممكن جدّاً"17.

ضرورة المداومة والمثابرة
يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "عزيزي، إنّ تحصيل الكمال وزاد الآخرة يستدعي طلبًا وجدًّا، وكلّما كان المطلوب أعظم فهو أحرى بالجدّ.
ومن الواضح أنّ معراج القرب الألوهيّ ومقام جوار ربّ العزّة، لا يتيسّر مع هذا التراخي والفتور والتساهل، فيلزمك القيام بفتوّة حتى تصل إلى المطلوب. وطالما أنّك تؤمن بالآخرة، وتعلم بأنّ النشأة الآخرة لا يمكن أن تُقاس بهذه النشأة من حيث السعادة والكمال أو من حيث الشقاء والوبال ـ لأنّ تلك النشأة عالمٌ أبديّ دائم لا موت فيه ولا فناء، والسعيد فيه في راحة وعزّة ونعمة أبديّة، وهي راحة لا يوجد لها شبيه في هذا العالم، وعزّة وسلطنة إلهيّة ليس لهما نظير في هذه النشأة، ونِعَمٌ ما خطرت على مخيِّلة أحد، وكذلك الأمر في جانب الشقاوة، فإنّ عذابها ونقمتها ووبالها ليس لها في هذا العالم مثيل ولا نظير ـ وبما أنّك تعلم أنّ طريق الوصول إلى السعادة إنّما هو إطاعة ربّ العزّة، وأنّه ليس في العبادات ما يضاهي هذه الصلاة، فإنّها مرهم إلهيّ جامع يتكفّل بسعادة البشر (وإنْ قُبِلت قُبِلت جميع الأعمال)، فلا بدّ لك من الجدّ التامّ في طلبها، وألّا تتضايق من السعي إليها وتحمّل المشاق في سبيلها. مع أنّه ليس فيها مشقّة، بل إنّك إذا واظبت عليها مدّة يسيرة، وحصل لقلبك الأنس بها لتجدنَّ، وأنت في هذا العالم من المناجاة مع الحقّ تعالى شأنه، لَذّات لا يُقاس بها لذّة من لذّات هذه الدنيا، كما يظهر من السير في أحوال أهل المناجاة مع الله سبحانه"18.

ضرورة الالتفات إلى المانع
طالما أنّ منشأ جميع الحجب والموانع هو النفس، وطالما أن ّالنظر إلى النفس بعين الاستقلال هو المشكلة الكبرى التي تنشأ منها جميع المعيقات والمشاكل، فإنّ إدراك عيوب النفس ونقائصها سيكون بداية اكتشاف عجزها وفقرها ولاشيئيّتها.

عندما نجد في أنفسنا نفورًا من الانتقادات التي توجّه إلينا، ونسعى لتبرير ذلك بأعذار واهية، فلنعلم أنّ حبّ النفس ما زال مستفحلًا فينا، فلا يبحث عن عيوب نفسه ولا يشتاق لإصلاحها إلّا من خرج من الأنانيّة.

وعندما نشتاق إلى النقد، وإن لم يكن بنّاءً، ونتقبّل الانتقادات مهما كانت جارحة، فهذا علامة على رسوخ مبدأ عجز النفس.

يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "ولا بدّ للسالك ألاّ يقنع في حال من الأحوال بالمقام الذي هو فيه، فإنّه مهما كانت المقامات لأمثالنا، فلا تساوي أصغر نقد في سوق أهل المعرفة، ولا تقابل في سوم أصحاب القلوب ومعاملاتهم مثقال حبّة خردل. فليتذكّر السالك في جميع حالاته نقائصه ومعايبه، فلعلّه ينفتح له طريق إلى السعادة من هذه السبيل، والحمد لله"19.

* كتاب الآداب المعنوية للصلاة في ضوء فكر الإمام الخميني(قده)


1- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 27.
2- م.ن، ص 27.
3- سورة فاطر، الآية 28.
4- صدر الدين الشيرازي، محمد بن إبراهيم، ‏شرح أصول الكافي، تحقيق وتصحيح محمد الخواجوي، طهران، نشر مؤسسة الأبحاث الثقافية، 1425 هـ، ط 1، ج 1، ص 177.
5- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 27 - 28.
6- م. ن، ص28.
7- سورة الأعراف، الآية 179.
8- السيد الرضي، نهج البلاغة، ص 548.
9- سورة المؤمنون، الآيتان 1 - 2.
10- الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، تحقيق وتصحيح علي أكبر الغفاري، طهران، نشر دار الكتب الإسلامية، 1407هـ.، ط 4، ج 3، ص 300.
11- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 28.
12- سورة الأعراف، الآية 12، سورة ص، الآية 76.
13- سورة الأعراف، الآية 14.
14- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 28 - 29.
15- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 29.
16- م. ن، ص 30.
17- م. ن، ص 29.
18- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 30.
19- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص30 - 31.

| 3774 قراءة

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد