مواقيت الصلاة
الفجر : 05:28
الشروق : 06:41
الظهر : 12:24
العصر : 15:38
المغرب : 18:24
العشاء : 19:15
منتصف الليل : 23:43
الإمساك : 05:20
X
X
الاعلان

عبور المراتب والمقامات إلى الغاية

عبور المراتب والمقامات إلى الغاية

عبور المراتب والمقامات إلى الغاية

تمهيد

بعد أن اتّضحت الغاية من السّير والسّلوك، وتبيّن لنا أنّ الذي يعيش اليقين بحقيقة الرّبوبيّة وتتجلّى هذه الحقيقة في نفسه بحالة العبوديّة، فإنّه سينال مقام القرب وتظهر فيه تجلّيات الكمال اللامتناهي، نسأل ما هي المراحل التي يقطعها السّالك للوصول إلى هذه الغاية العظيمة؟

وهنا يبيّن الإمام الخمينيّ قدس سره أنّ المراتب والمقامات التي يقطعها السّالك للوصول إلى الغاية لا تُحصى، لأنّ مقام الربّ المتعال أعظم من كلّ ما يمكن أن يتصوّره إنسان أو يحيط به كائن، لكن بالإمكان ذكر المراتب على النّحو الكلّيّ، بحيث يمكن أن تجمع كلّ مرتبة عددًا من المقامات الكثيرة.

يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "وأمّا الإحاطة بجميع الجوانب وإحصاء جميع المراتب فخارج عن عهدتي أنا اللاشيء، فإنّ "الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق"1.

مقام العلم
يعتبر الإمام الخميني قدس سره الحركة العلميّة والجهد العلميّ اللذين يصدران عن السالك من أفعال السير والسلوك. وهذا المجهود العلمي يتمثّل بالسعي للوصول إلى الحقائق وتثبيتها في النفس. ففي حديثه عن مراتب ومقامات السالكين، يقول قدس سره: "فمن تلك المراتب مرتبة (العلم)، وهي أن يُثْبِت بالسلوك العلميّ والبرهان الفلسفيّ ذلّة العبوديّة وعزّة الربوبيّة"2. ويرى الإمام أنّ هذا المقام هو من أوائل مقامات الإنسانيّة. ويعني هذا الأمر في عرف العارفين ومسلكهم أنّ أيّ مخلوق، ما لم يتحقّق بالعلم البرهانيّ، لن يكون له حظّ أو نصيب من الإنسانيّة. ولا يخفى بأنّ الإنسانيّة هي صراط البشر المستقيم الذي ينتهي إلى مقام الإنسان الكامل.

"فسالك طريق الحقيقة ومسافر سبيل العبوديّة، إذا قطع هذا المنزل بالسلوك العلميّ ومركب السير الفكريّ، يقع في حجاب العلم، ويكون قد وصل إلى المقام الأوّل للإنسانيّة"3.

أمّا لماذا يدور العلم حول موضوع ذلّ العبوديّة وعزّ الربوبيّة؟

فيقول الإمام قدس سره: "وهذا من لُباب المعارف، حيث اتّضح في العلوم العالية والحكمة المتعالية أنّ كلّ ما في دار التحقّق وتمام دائرة الوجود إنّما هو صرف الرّبط والتعلّق ومحض الفقر والفاقة. أمّا العزّة والملك والسلطان فمختصّة بذاته المقدّس الكبريائيّ، وليس لأحد نصيب من حظوظ العزّة والكبرياء"4.

وبعبارةٍ أخرى، إذا تمكّن السّالك من تثبيت هذا المبدأ الجوهريّ في نفسه، يكون قد حصل على لبّ المعارف، فيتمكّن حينها من تثبيتها واحدة تلو الأخرى في نفسه بيسرٍ وسهولة. أمّا لو لم يبدأ من هذه النقطة بالذّات، فإنّ سيره العلميّ ومساره التكامليّ سيكون صعباً ومشوّشاً.

ويمكننا أن نجد التّفصيل والشّرح لهذا المبدأ في "العلوم العالية والحكمة المتعالية"، بحسب تعبير الإمام الخمينيّ قدس سره، والذي يشير إلى فلسفة صدر المتألّهين وإلى كتابه المشهور بالأسفار الأربعة بالخصوص، وقد اختصره وبيّنه العلّامة الطّباطبائيّ في نهاية الحكمة. وصارت حكمته مهيمنة على غيرها من الفلسفات بين أهل العلوم العقليّة.

موانع هذه المرتبة ومخاطرها
يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "فسالك طريق الحقيقة ومسافر سبيل العبوديّة، إذا قطع هذا المنزل بالسلوك العلميّ ومركب السير الفكريّ، يقع في حجاب العلم... وهذا الحجاب من الحجب الغليظة، وقد قالوا إنّ العلم هو الحجاب الأكبر، وعلى السالك ألا يبقى في هذا الحجاب، بل يخرقه"5.

فما هو حجاب العلم هذا؟ يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "ولعلّه إذا اقتنع بهذا المقام، وسجن قلبه في هذا القيد يقع في الاستدراج. والاستدراج في هذا المقام هو أن يشتغل بالتفريعات العلميّة الكثيرة، ويشغل فكره في البحث عن البراهين الكثيرة لهذا المقصد، فيُحرم من المنازل الأخرى، ويتعلّق قلبه بهذا المقام، ويغفل عن النتيجة المطلوبة، وهي الوصول إلى فِناء الله، ويصرف عمره في حجاب البرهان وشعبه. وكلّما كثرت الفروع يزداد الحجاب، ويشتدّ الاحتجاب عن الحقيقة"6.

فعندما يصبح مقصد السالك تخزين المعلومات وجمع المصطلحات والإكثار من القيل والقال بدل التطبيق والأفعال، يكون قد انحرف عن صراط الإنسانيّة المستقيم، الذي ينبغي أن ينتهي إلى العبوديّة المطلقة لله ربّ العالمين، ولهذا نجد الإمام الصادق عليه السلام في وصيّته المشهورة لعنوان البصري، ينصحه قائلاً: "ليس العلم بالتعلّم، إنّما هو نور يقع في قلب من يريد الله تبارك وتعالى أن يهديه، فإن أردت العلم فاطلب أوّلاً في نفسك حقيقة العبوديّة، واطلب العلم باستعماله"7. فالحجاب ينشأ من اعتبار الكثرة العلميّة شأنًا للنفس وزينة لها، والعبوديّة تقتضي أن يكون طلب العلم لأجل القيام بوظائف العبوديّة وحقوق الربوبيّة.

كيف ننجو من هذا الحجاب؟
إنّها اليقظة التي لا يمكن لأحد أن يطوي منزلًا دونها، ولا يوجد من حجاب أشدّ على السالك من الغفلة، ففي ظلّ الغفلة يتمكّن الشيطان من اصطياد البشر، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: "فإنّ الغفلة مصطاد الشيطان"8.

يقول الإمام قدس سره: "فعلى السالك ألّا يغترّ بمكايد الشيطان في هذا المقام، فيحتجب بكثرة العلم وغزارته وقوّة البرهان عن الحقّ والحقيقة ويتأخّر عن السير في الطلب، بل يشمّر ذيل همّته، ولا يغفل عن الجدّ في طلب المطلوب الحقيقيّ حتى ينال المقام الثاني"9.

مقام الإيمان
يقول الإمام قدس سره: "وهو أن يكتب كلّ ما أدركه عقله بقوّة البرهان والسلوك العلميّ بقلم العقل على صحيفة قلبه، ويوصل حقيقة ذلّ العبوديّة وعزّ الربوبيّة إلى القلب، ويتحرّر من القيود والحجب العلمية... فنتيجة المقام الثاني إذًا هي حصول الإيمان بالحقائق"10.

وباختصار، فإنّ الإيمان بالله تعالى يعني سريان تلك الحقائق، التي أثبتها بالبرهان وثبّتها في نفسه بالعمل بمقتضاها، إلى كلّ مملكة النفس وقواها. وعلامة ذلك أن تكون الجوارح عاملة بما تقتضيه العقيدة وتمليه من موقف بحسب كلّ مورد أو شأن من شؤون الحياة وابتلاءاتها. فإن كان يعتقد بالتوحيد في الرازقيّة ولا يرى رازقاً إلا الله تعالى، ودخلت هذه العقيدة إلى قلبه وتحوّلت إلى إيمان لن يهلك نفسه في طلب الرّزق، ولن يبخل بماله وإن قلّ، قال أمير المؤمنين عليه السلام: "من أيقن بالخلف جاد بالعطيّة"11.

وإن كان يؤمن بأنّ الله ينصره، فلن يخاف من الأعداء. وإن كان يؤمن بأنّ الله يدافع عنه، فلن يخشى لومة اللائمين. وإن كان يؤمن بأنّ الله هو الذي يرفع ويخفض فإنّه لن يطلب العزّة من الناس. وإن كان يؤمن بأنّ الله تعالى يعلّم، لقوله تعالى: ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ12، فإنّه لن يتوقّف عند حدّ في طلب العلم، ولن يجد لأيّ شيء قدرة على منعه من الوصول إلى العلم الإلهيّ والحكمة الربّانيّة.

فالمؤمن هو الذي يستحضر وجود الله بحسب تجلّياته وأسمائه في كلّ ما يرد عليه في هذه الحياة.

مقام الطمأنينة
وعندما يستقرّ الإيمان في القلب تبدأ رحلته التكامليّة، فيصل في الإيمان إلى الطمأنينة.

يقول الإمام قدس سره: "والمقام الثالث هو مقام الاطمئنان وطمأنينة النفس، وهو في الحقيقة المرتبة الكاملة من الإيمان، قال تعالى مخاطبًا خليله ﴿قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي13،14.

فإذا ارتقى الإيمان وازداد قوّة في القلب، وصل إلى حالة لا يعود صاحبها محتاجًا إلى الدليل، بل لا يفكّر بالرّجوع إلى الدّليل وإلى العلم البرهانيّ، لا لأنّ ما وصل إليه مخالف للدليل، بل لأنّ يقينه يصبح أقوى من الدّليل العقلي، وصار معلومه شديد الحضور في النّفس، فلا تطالبه النفس بالدليل، وإن كانت قادرة عليه متضمّنة إيّاه.

وعلامة الطمأنينة هي تمركز القلب في توجّهه إلى مبدأ الوجود وأصل الكمال، وكذلك عدم تقلّبه وتزلزله أثناء هبوب عواصف البلاءات وشدائد الحياة.

مقام المشاهدة
وإذا ارتقى في العلم من الإيمان إلى الطمأنينة، وباتت النفس تحت حكومة العقل، استعدّ السالك للتجلّيات الإطلاقيّة والحقائق المطلقة. وما كان يراه قبل هذا المقام في التحديد والتقييد سيشهده فيه مطلقًا.

يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "المقام الرابع هو مقام المشاهدة، وهو نور إلهيّ وتجلٍّ رحمانيّ يظهر في سرّ السالك تبعًا للتجلّيات الأسمائيّة والصفاتيّة، وينوّر جميع قلبه بنورٍ شهوديّ، ولهذا المقام درجات كثيرة لا تتّسع هذه الأوراق لذكرها"15.

وأقلّ ما يمكن أن يُقال عن المشاهدة، إنّ ما يدركه السّالك من حقائق بواسطتها يكون عنده أشدّ حضورًا وأقوى ظهورًا من مشاهداته الحسيّة. فهل سمعت أحداً يطلب دليلًا على وجود الطاولة التي يراها بعينيه أمامه؟! لا لأنّه جاحد بالدليل، بل لأنّ مشاهدته هذه أغنته عن الدليل.

ولا ينبغي أن ننسى أنّ المشهود في هذا المقام هو تجلّيات الأسماء الإلهيّة. أمّا شهود الحقائق الكونيّة والمستقبليّات وبواطن النفوس والضمائر، فليس داخلًا في حقيقة هذا المقام، وإن كان يتبعه. فالأصل في الشهود هو أن يكون متعلّقه الكمالات الإلهيّة المطلقة.

فإذا كنّا نرى آثار الحياة الإلهيّة أو القدرة الربّانيّة في الكائنات على نحوٍ محدود، فإنّ مقام الشهود هذا يجعلنا نشاهد مظهر القدرة الإلهيّة المطلقة أو الحياة الربّانيّة التي لا حدّ لها ولا انعدام فيها أو فناء.

ما هي آثار هذا المقام وعلائمه؟
لا شكّ بأنّ لاتّصال الإنسان المستعدّ بهذا المقام آثاراً لا تُعدّ ولا تُحصى. وقد عبّرت الأحاديث والرّوايات عن العديد من هذه الآثار. وأجمل ما جاء هو صيرورة العبد مظهر كمالات الربّ، بمعنى أن تتجلّى فيه وعلى يديه الكمالات المطلقة.

يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "وفي هذه المقام يبرز نموذج من قرب النوافل، المعبَّر عنه بـ "كنت سمعه وبصره"16.

ولأنّ مقام القرب هو مقام المطلق من كلّ شيء، فإنّه لا نهاية لهذا المقام. فمن ظنّ أنّ الواصل إلى الكمال المطلق يتوقّف أو يجمد فقد جهل معناه، لأنّ معنى الإطلاق ألّا يكون لسير الإنسان أيّ منتهى.

يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "ويرى السالك نفسه مستغرقًا في البحر اللامتناهي، ومن ورائه بحرٌ عميق في غاية العمق تنكشف له فيه نبذة من أسرار القدر"17.

وقد أشار العارفون إلى معاني أسرار القدر وفصّلوا فيها، لعلّ الله يفتح على قلوبنا بعض هذه المعاني في طيّات الفصول اللاحقة، إن شاء الله تعالى.

ما هي حقيقة العرفان
العرفان عنوان للمعرفة العميقة الواضحة الخالية من القيود، ولهذا قالوا إنّ مشاهدة الحقيقة من وراء الحجاب أو بعد كشف الحجاب هو اليقين. والحقيقة عند العارف هي أصل كلّ شيء وعلّته الأولى. وما لم يدرك السالك حقيقة الرابطة بين الخلق والخالق لا يكون قد أدرك العرفان، يقول الإمام الخمينيّ قدس سره في بيان حقيقة العرفان: "إنّما حقيقة العرفان والشهود ونتيجة الرياضة والسلوك هي رفع الحجاب عن وجه الحقيقة ورؤية ذلّ العبوديّة وأصل الفقر والتدلّي في النفس وفي جميع الموجودات، ولعلّ في الدّعاء المنسوب إلى سيّد الكائنات صلى الله عليه وآله وسلم: "اللهمّ، أرني الأشياء كما هي!"، إشارة إلى هذا المقام، بمعنى أنّه صلى الله عليه وآله وسلم سأل الله سبحانه أن يُشهِده ذلّ العبوديّة المستلزم لشهود عزّ الربوبيّة"18.

هل يوجد مخاطر في هذا المقام؟
يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "ولكلٍّ من هذه المقامات استدراج يختصّ به، وللسالك فيه هلاك عظيم"19. والاستدراج ينشأ من تعلّق السالك بالمقام الذي وصل إليه واعتباره الغاية النهائيّة، فينسى بسبب ذلك مسيره ويغفل عنه، فيؤدّي هذا إلى سلوكه طريقاً آخر، وهو يحسب أنّه يُحسِن صنعا.

ما هو طريق النّجاة؟
وما لم يصبح المقام الرابع راسخًا، وما لم تثبت النفس عليه، فإنّ خطر الخسارة والسقوط والتراجع يبقى ماثلًا. وقد قيل: إنّه لا أمان إلّا بعد يوم الفزع الأكبر، حيث يتحدّد المصير النهائيّ لكلّ إنسان، وطريق النجاة من هذا التراجع والسقوط هو تخليص النفس من الإنّيّة والأنانيّة، يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "ولا بدّ للسالك في جميع هذه المقامات من تخليص نفسه من الأنانيّة والتخلّص من رؤية نفسه وحبّها، فإنّهما منبع أكثر المفاسد ولاسيّما للسالك"20.
 

* الآداب المعنوية للصلاة في ضوء فكر الإمام الخميني(قده)



1- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 25.
2- م. ن. ص 25.
3- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 25.
4- م. ن، ص 25.
5- م. ن، ص 25 - 26.
6- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 26.
7- العاملي، زين الدين بن علي، منية المريد في أدب المفيد والمستفيد، تحقيق رضا مختاري، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1409هـ.، ط1، ص 149.
8- الامام جعفر الصادق عليه السلام، مصباح الشريعة، ص 99.
9- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 26.
10- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 26.
11- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 18، ص 336.
12- سورة البقرة، الآية 282.
13- سورة البقرة، الآية 260.
14- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 26.
15- م.ن، ص 26.
16- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 26.
17- م.ن، ص 26 - 27.
18- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص25.
19- م.ن، ص 27.
20- م. ن، ص27.

| 9249 قراءة

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد